إذا تمكّنت المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسية الأميركية، هيلاري كلينتون، من الفوز باقتراع الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهو أمر يغدو مرجّحاً باضطراد، أخذاً بالاعتبار النكسات التي تعرض لها خصمها أخيراً، فهذا يعني أنها ستصبح أول أميركية تدخل البيت الأبيض، ليس زوجة رئيس هذه المرة، وإنما رئيسة منتخبة للولايات المتحدة. ودولياً، سيضعنا انتخاب كلينتون أمام حالةٍ لا تقل فرادة أيضاً، وتتمثل في وجود ثلاث سيدات على رأس السلطة في ثلاث أكبر دول غربية، هي، إضافة إلى الولايات المتحدة، القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم، ألمانيا التي تعد الاقتصاد الرابع في العالم، وتتجه إلى تأدية دور سياسي وأمني أكبر على الساحتين الأوربية والدولية، وبريطانيا، الاقتصاد الخامس، وعضو النادي النووي الدولي والدولة العضو في مجلس الأمن. يصل مجموع اقتصادات الدول الثلاث إلى 25 تريليون دولار، أي ثلث الاقتصاد العالمي، البالغ 75 تريليون دولار بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2016، كما تمثل عملاتها، الدولار واليورو والجنيه الإسترليني، أكثر من 90% من احتياطي العملات الدولية، ما يعني أننا أمام تركّز غير مسبوق للقوة بين أيدي السيدات الثلاث، تتوارى معه كل الأحاديث عن انزياح مركز الثقل في الاقتصاد العالمي نحو آسيا، على الرغم من صحته.
تكهنات كثيرة تدور حول طبيعة العلاقة التي ستسود بين حاكمات العالم الديمقراطي، والسياسات التي ستتبلور مع اكتمال الثلاثي بوصول كلينتون إلى البيت الأبيض، في ضوء الجدل الأكاديمي الذي أخذ يحتدم بشأن علاقات القوة في النظام الدولي، وتأثرها بطبيعة القيادة النسوية (feminist political theory). لكن، هناك شخص واحد في العالم سيكون مشغولاً، أكثر من غيره، بفهم التداعيات السياسية لوجود ثلاث سيدات على رأس أهم ثلاث دول في علاقات بلاده الخارجية، وهذا الشخص ليس غير الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
ليس ثمّة جديد في اعتبار أن حكم ثلاث سيدات أكبر ثلاث قوى غربية لا يمثل خبراً جيداً للرئيس بوتين، وهو إذا كان، في الماضي، مرتاحاً لحكم ميركل في ألمانيا، لحرصها على المصالح الكبرى التي تربط بلديهما (معادلة الغاز مقابل التكنولوجيا)، فسوف يكون صعباً عليه التأقلم مع وصول كلينتون إلى الحكم في الولايات المتحدة، بعد أن سبقتها تيريزا ماي، ذات المواقف التاتشرية، إلى الحكم في بريطانيا، في وقتٍ تشهد علاقاته تأزماً مع ألمانيا، بسبب الأزمتين الأوكرانية والسورية. ولم يخف بوتين، طوال الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة، تفضيله فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، لا بل تجاوز الأمر حدود التفضيل إلى محاولة مساعدة ترامب على الفوز في الانتخابات، من خلال اختراق (وتسريب) رسائل، تم الحصول عليها من حساباتٍ عديدة تخص حملة كلينتون الانتخابية والحزب الديمقراطي. وإذ يتبع بوتين بعمله هذا سلوكاً انتقامياً، حيث يتهم كلينتون بالوقوف شخصياً وراء محاولات المعارضة الروسية منع عودته إلى الرئاسة في العام 2012، فإن التوتر في العلاقة بين الطرفين يأخذ منحىً شخصياً باضطراد، حيث لا يخفي بوتين تخوفه من السياسات التي قد تتخذها كلينتون حياله، حال وصولها إلى الحكم، فيما لم تتردد كلينتون بتشبيهه بهتلر. أما تيريزا ماي، فتعقيدات العلاقة معها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتاريخ طويل من انعدام الثقة بين الطرفين، إذ طالما مثلت بريطانيا العضو الأوروبي الأكثر تشدداً مع روسيا، سواء في زمن القيصرية أو الشيوعية أو المرحلة القومية التي يقودها بوتين اليوم.
ما يمكن أن ينقذ بوتين من عزلةٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ، تفرضها سيدات الغرب الثلاث عليه، أن يأمل بنشوء شيء من عدم الارتياح الشخصي بينهم، تنعكس على علاقات بلدانهم السياسية، كما قد تفيده عودة صديقه نيكولاي ساركوزي إلى الحكم في انتخابات فرنسا الرئاسية المقبلة، في ضوء تراجع حظوظ الآخرين، بما فيهم زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبين، والتي قد تكون السيدة الوحيدة التي ستلاقي ترحيباً من بوتين، في حال قدّر لها الفوز بكرسي الرئاسة الفرنسي، في ضوء إعلانها أنه، في حال غدت رئيسةً لفرنسا، فإنها سوف تعترف بشبه جزيرة القرم جزءاً من روسيا. خلاف ذلك سيجعل بوتين يفتقد بشدة حكم الرجال، “الرخوين” منهم، خصوصاً من “شاكلة” باراك أوباما وديفيد كاميرون.
العربي الجديد – مروان قبلان