كشف محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات، في تغريدة له أنه اتصل هاتفيا مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وبحث معه «تداعيات انتشار فيروس كورونا»، مؤكدا له «دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق»، مبررا ذلك بأن «التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار»، ومؤكدا أن «سوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة».
الواقع أن السياسة الإماراتيّة منذ بدء الربيع العربيّ عام 2011 لم تزح عن ثابت واحد كبير وهو الرفض القاطع لآمال التغيير السياسي التي انطلقت لدى الشعوب العربية، ولكن المتغيّر في سياسات أبو ظبي كان الانتقال من الدفاع عن الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة إلى الانخراط العسكري والأمني والمالي والسياسي في التخطيط والتنفيذ والمشاركة في قمع الحراكات والانتفاضات وأشكال العمل الجماهيري، فساهمت عمليّا في إسقاط النتائج السياسية للتجربة الديمقراطية في مصر بعد الثورة ودعم انقلاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2014، وفي تشكيل ودعم وإسناد حركة الجنرال خليفة حفتر في ليبيا عام 2014، وانتقلت إلى العمل العسكري والأمني المباشر في اليمن تحت غطاء «التحالف العربي» منذ عام 2015.
جمع الدور الإماراتي في الساحة السورية بين الخفاء والتعقيد والتلاعب، ففي عام 2013 كشفت تقارير عن تزويد أبو ظبي النظام السوري بأسلحة صاروخية وتقنيات اتصال حديثة وتسجيلات لرموز المعارضة إضافة إلى تصنيفها 20 فصيلا سوريا ضمن قائمة الإرهاب، وانكشف لاحقا أن الإمارات زودت عناصر في الجيش السوري الحر بأجهزة اتصالات كانت قد زودت النظام بشيفرتها مما أدى إلى مقتل عدد من قيادات ومقاتلي الجيش، كما أمّنت أبو ظبي مركزا آمنا لتهريب أموال شخصيات النظام السوري، فبعد العقوبات التي فرضت على الشركات الروسية تحدثت تقارير عن تهريب قرابة 22 مليار دولار من موسكو إلى أبو ظبي للإفلات من العقوبات، وكان من بينها حسابات بمئات الملايين لرامي مخلوف، وكشفت مجلة «ديلي بيست» الأمريكية عام 2018 أن دبي أصبحت مركزا رئيسيا لإدارة وغسيل أموال عائلة الأسد المهربة للخارج.
تعتبر بعض المصادر السياسية والإعلامية اتصال بن زايد، والذي تبعته أنباء عن تقديم أبو ظبي مساعدة بقيمة 3 مليارات دولار لنظام دمشق، تحت إطار «التضامن الإنساني المزعوم»، كشفا للعلاقة الوثيقة بين النظامين، وإعلانا عن فتح أبو ظبي معركة ضد تركيا، بعد أن تعرّضت الميليشيات المحسوبة على إيران للإنهاك، وكذلك بعد الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد الروسي ضمن تداعيات حرب الأسعار النفطية الدائرة، وكذلك الآثار الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا في العالم.
استخدام بن زايد لمقولة «التضامن الإنساني» هدفها طبعا القفز على العدد الكبير من العقوبات التي فرضتها المنظومة السياسية الدولية لمنع النظام السوري من الإفلات من العقاب عن الجرائم المهولة التي ارتكبها ضد شعبه خلال 9 سنوات، وهي مقولة هزيلة تستخدمها أبو ظبي، الخائضة في دماء شعوب اليمن وليبيا، لتقديم حبل مساعدة لنظام ساهم في قتل مئات الآلاف من المدنيين، ومسؤول عن ملايين الجرحى والمعوقين والنازحين، وبذلك يتضامن نظام السجون السرّية والتعذيب وعمليات الاغتيال في اليمن، وعراب حركة حفتر المسؤولة بدورها عن الحرب الأهلية الليبية وآلاف الجرائم، مع نظام الإبادة الجماعية بالأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة.
نقلا عن القدس العربي