تبحث دوماً جمهورية كازاخستان الفتية عن الأشكال الجديدة للحوار الدولي، انطلاقاً من استضافتها مؤتمر التعاون والثقة في آسيا، وصولاً إلى المؤتمر الدولي لزعماء الأديان، وتلعب دوراً رئيساً في منظمة شنغهاي للتعاون، ووساطتها واستضافتها عدة جولات من المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني بين طهران والغرب، ولعبت دورا في تخفيف حدة التوتر بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وقادة أوروبيين بعد أزمة أوكرانيا، وكذلك وساطتها في إنهاء القطيعة الروسية التركية، بعد حادثة إسقاط تركيا الطائرة الروسية التي قالت إنها اخترقت أجواءها.
فتحت المصالحة الروسية التركية الباب على إمكانية الذهاب إلى تفاهم روسي تركي في سورية، بدءاً باتفاق وقف إطلاق النار، ودعوة الأطراف السورية الفاعلة إلى أستانا، عاصمة كازاخستان، لبحث تسويةٍ ما.
وتبدو احتمالات نجاح هذا الاتفاق أكبر مقارنةً بما سبق، لما يملكه الروس والأتراك من نفوذ كبير لدى أطراف الصراع السوريين والإقليميين، ولكن هذا يتوقف على مدى قدرة روسيا على تحقيق وقف إطلاق النار من خلال لجم المليشيات الإيرانية والمليشات الطائفية الأخرى من العراق وحزب الله اللبناني.
ومن الطبيعي أن تكتنف صعوبات كبيرة إمكانية التوصل إلى حل للوضع في سورية، بسبب تباين مواقف مختلف الأطراف، بشأن طبيعة هذا الحل ومخرجاته، بعد أن تم حرف الأمور من خلال ظهور منظمات إرهابية متطرّفة، وأخرى انفصالية. ولعل الحدث الأهم، بعد المصالحة التركية الروسية، كان التحرّك التركي العسكري، في أغسطس/ آب من العام الماضي، في منطقة الشريط السوري الحدودي، لإخلاء المنطقة من “داعش” ومنع مليشيات الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، من مد نطاق سيطرتها إلى غرب الفرات، والعملية التي حملت اسم “درع الفرات”، وشملت توفير دعم عسكري تركي ملموس للجيش السوري الحر، ما كان يمكن أن تتحقق بدون موافقة روسية.
وعلى الرغم من أن توجّه عملية درع الفرات نحو مدينة الباب، في العمق السوري، تتطلب توافقاً تركياً ـ روسياً جديداً، إلا أن سلاح الجو الروسي وفر دعماً مباشراً للقوات التركية، ووحدات الجيش الحر التي تحاصر مدينة الباب، عدة مرات. وفي النصف الثاني من ديسمبر/ كانون الأول، توصل العسكريون الروس إلى اتفاق مع فصائل المعارضة السورية المسلحة، حول إخلاء حلب الشرقية من المدنيين والعسكريين المحاصرين. واتفاق كهذا لم يكن ممكناً من دون دعم وتأييد تركيين، ولم تمض أيام قليلة، حتى كانت أنقرة تستضيف مباحثاتٍ غير مسبوقة بين مسؤولين روس وممثلين عن قطاع واسع من الفصائل السورية المسلحة، وانتهت بالتوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، مهد لعقد لقاء في أستانا يومي 23 و24 يناير/ كانون الثاني، وبهدف تعزيز وقف إطلاق النار، وإيجاد آلية لمراقبة الاختراقات، تليها اجتماعات أخرى بين الروس والأتراك والإيرانيين، وبات معروفا موعد أستانا 2 في منتصف فبراير/ شباط الجاري، ويتوقع أن يكون هناك استانا 3.
وبما أن الحديث عن كازاخستان وسورية في الوقت نفسه، فالشيء بالشيء يذكر، حيث يروى عن مسؤول أميركي سابق أنّه خلال المفاوضات غير المباشرة بين الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق، إسحق رابين، بواسطة وزير الخارجية الأميركي آنذاك، وارن كريستوفر، اتفق الجانبان على إعادة كلّ الجولان المحتلّ إلى سورية. تضمّنت الصفقة المعروضة ترتيبات أمنية وسياسية متفقا عليها تشمل تبادل السفراء، ولكن الأسد قال، في نهاية المطاف، بحسب المسؤول الأميركي الذي رافق المفاوضات عن كثب، إن هناك علاقات ديبلوماسية بين سورية ودول عدة، لكنّ لا سفارات لسورية في هذه الدول، كما لا سفارات لهذه الدول في سورية، وأعطى مثلا على ذلك دولة كازاخستان. وجاء رد رابين على ذلك بالطلب من وزير الخارجية الأميركي، سؤال الأسد الأب لماذا لا يستعيد الجولان من كازاخستان؟
يبقى القول إن محادثات أستانا محطة في مسار التقارب التركي الروسي بعد المصالحة، وبدأ هذا المسار في لقاء سانت بيترسبورغ الذي جمع الزعيمين، التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وستليها محطات كثيرة، سورياً، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي.
د. باسل الحاج جاسم – العربي الجديد