في سوريا وحدها لم يعد التسول أمراً خارجاً عن المألوف بعد سنين طوال من حرب دامية، حرقت الأخضر واليابس وبات مشهد التسول من مشاهد المعاناة اليومية إلى جانب مشاهد القتل والدمار؛ في ظل انعدام فرص العمل وهبوط دخل السوريين تحت خط الفقر، عداك عن الحرمان من موارد رزقهم نتيجة القصف العشوائي.
تبدو “أم ساره” أكبر من عمرها تجاعيد وجهها ظاهرة بشدة لأنها عاصرت حكايات الألم في زمن الحرب السورية، تسرد لنا معانتها بخجل وبمحاولة منها لتبرير تسولها قائلةَ “لم أكن من قبل امرأة متسولة.. كان زوجي يعمل طوال النهار ليوفر احتياجات عائلتي الكبيرة.. آه بتغيبه في سجون الاعتقال.. بات من واجبي بذل جهود مضاعفة للسعي وراء الرزق”.
ثياب بالية رقيقة تغطي جسد “أم سارة” (46 عاماً) من ريف إدلب لا تقي من البرد شيئاَ ونظرة مملوءة بالصبر تشع من عين سوداوين ورغم ملامح الانكسار إلا أن الصوت المتقطع ينادي “من مال الله يا محسنين” في زمن حرب بات الجرح فيها يعصر القلب حزناً.
تابعت أم سارة حديثها “لم أجد عملاً.. ففي قريتي الكل يعتمد على نفسه كون الجميع في قائمة “مستوري الحال” ومع قل حيلتي وعجز جسدي عن العمل.. لا خيار لدي سوى استجداء الناس الطيبة للمساعدة”.
نساء وأطفال سوريون أجبرتهم الظروف القاسية وضيق الحال على التسول واستجداء الصدقة لإطعام عائلاتهم التي تستيقظ كل يوم على جحيم الصراع الدموي بعد أن ضاقت بهم السبل.
أبو أحمد (50 عاماً) من تجار مدينة إدلب يساعد المتسولين ويعطيهم مساعدات دون مقابل، يتحدث بحسرة كبيرة وتفهم للواقع المأساوي “لولا الحرب لما زادت نسبة المتسولين.. التسول يخالف عادات وصفات السوريين المعروفة بالكرامة وعزة النفس.. لكن مع دمار طال كل شيء وحياة كانت أبرز سماتها السواد، زاد الخناق وتدهورت الأحوال لدرجة مشاهدتنا لأناس كانوا هم ممن ينفقون الأموال على المحتاجين.. اليوم هم الأكثر عوزاً”.
بكلمات الحسرة وقد بدا التعب عليها وقلة النوم، أضافت “أم سارة “إن الحصول على عمل ولو كان مقابل أجر زهيد بات ضرباً من الخيال؛ بسبب تردي الأوضاع وغلاء المعيشة”.
يصغرون يومياً أمام إحساسهم بالهوان وإرسال أبنائهم للسؤال واستجداء العطف.. إنهم السوريون الذين قذفتهم أمواج الحرب في كل الاتجاهات وقطعت أوصالهم وباتوا يعيشون على الصدقات والمعونات والفقر والهوان.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد