أكوام من الحجارة هنا وهناك، وبقايا أثاث مغطى بغبار المباني المدمرة، وأصوات تصرخ بنداءات مختلفة لم تكن واضحة، وصورة يشوبها الغباش، وجسد توقف عن الشعور بالألم بعد أن تخدر الإحساس فيه من كثرة الركام الملقى عليه، تحاول فداء أن تصف لنا هول المشهد إلا أنها كلما أضافت شرحا تعود بالبكاء وتقول:” لن تستطيع كلماتي أن تشرح قساوة اللحظات التي مررت بها وحالة الذهول والسبات التي أصابتني حينها”.
“فداء” لم تكن الوحيدة التي قدر لها أن تقبع تحت الأنقاض لساعات وربما لأيام وهي على قيد الحياة تصارع حالة شعورية غريبة منتظرة قدوم من ينتشل جسدها المغطى ربما بسقف بيتها أو بحائط جيرانها، وتضيف:” آخر ما أذكره أنني كنت أعد لأولادي عشاء من بقايا الطعام الموجودة في المطبخ، لأدخل بعدها بغيبوبة، وعندما فتحت عيناي أول شيء خطر ببالي أولادي أين أنتم؟، لم أستوعب ماحدث، لأبدأ بعدها بالصراخ عل أحدهم يسمعني”.
قامت عناصر الدفاع المدني في حي الشعار بحلب المحاصرة بمساعدة “فداء” وبعض من جيرانها الذين حالفهم الحظ بالبقاء على قيد الحياة، لتخرج من تحت الأنقاض محمولة على “النقالة” إثر تعرضها لكسور ورضوض وعدة جروح بالغة حالت دون تمكنها من النهوض، وما إن أبصرت النور حتى صعقت بمنظر أطفالها وزوجها جثثا هامدة على قارعة الطريق بعد أن شوهت الشظايا براءتهم، وقتلت أحلامهم.
يشن النظام السوري بمساندة روسيا أشرس حملة عسكرية في تاريخ الثورة على مدينة حلب، فلا يهدأ القصف على أحيائها سواء في الليل أو في النهار، في محاولة منه اتباع سياسة التهجير وإجبار الأهالي على الرضوخ والقبول بمغادرتها باتجاه ادلب كما فعل مع سكان داريا وحي الوعر، في خطة مدروسة لإجراء تغيير ديمغرافي في تلك المناطق.
عام مضى على التدخل الروسي في سوريا، وأي إنجازات حققتها روسيا خلال هذا العام سوى تهجير المزيد من الأهالي ودمارا أكبر في المباني السكنية والبنى التحتية، فضلا عن قتل المدنيين بما فيهم آلاف الأطفال والنساء الأبرياء الذين لا ذنب لهم في هذه الحرب.
حتى موالو النظام الذين علقوا آمالهم بالتدخل الروسي ظنا منهم أنهم سيدحرون الإرهاب ويقضون على المسلحين، وينعمون بالأمان وتعود كافة المناطق المسلوبة لحضن الوطن كما يدعون، إلا أنهم بعد مضي عام تراهم محبطين لعدم ظهور نتائج إيجابية لهذا التدخل لا بل زاد الوضع سوءا وزادت معه المعاناة والأوجاع سواء في المناطق المحررة أو في مناطق سيطرة النظام، فجل ماتفعله روسيا توظيف طائراتها دون توقف لقصف المدن السورية بما فيها حلب وسط صمت عالمي عاجز عن التدخل وإرغام النظام وروسيا على إيقاف حمام الدماء.
“خسرت زوجي، أولادي، بيتي، وطني، خسرت كل شيء، فما نفع بقائي على قيد الحياة، ياليتني بقيت تحت الأنقاض أنتظر الموت خيرا لي من أن أعيش بجسد مشوه وأموت في اليوم ألف مرة”، بكلمات الحسرة والألم تنهي فداء قصتها التي تمثل معاناة آلاف السوريين في حلب المحاصرة وغيرها من المدن السورية، فهل ستشهد الأيام القادمة تصعيدا أكبر، أم أن العالم سيخرج عن صمته ويتحرك وينقذ أرواح من تبقى على قيد الحياة؟.
سماح الخالد
المركز الصحفي السوري