بعد 54 سنة من الظلم والقهر والتشريد والتعذيب، انتهت اليوم حقبة الفساد، وبدأ عصر الحرية. حلمٌ طال انتظاره لسنواتٍ طويلة، لكنه تحقق أخيرًا.
فرحة السوريين تعمّ البلاد
عمت الاحتفالات جميع أنحاء الأراضي السورية، حيث شارك فيها جميع أطياف الشعب السوري الظمآن للحرية في محافظات سوريا الجميلة.
15 مارس أصبح عيدًا للسوريين، فهو ذكرى الثورة السورية، واليوم يحمل معنى جديدًا بعد انتصارهم على النظام الذي قمعهم لعقود. السوريون الذين اعتادوا على القمع والملاحقة الأمنية، باتوا يحتفلون في الساحات بحريةٍ لم يعرفوها منذ أكثر من نصف قرن.
في احتفال ذكرى الثورة السورية في 15 مارس، أفاد أحد المحتفلين، “محمود الحموية”، قائلًا:”الحمد لله الذي أكرمنا بهذا النصر العظيم. لقد فقدتُ أخي وأبي في الثورة ضد نظام الأسد، وكل هذا حتى نصل إلى هذه اللحظة التي نعبر فيها عن رأينا بعيدًا عن الخوف من أجهزة المخابرات والأفرع الأمنية، التي كانت كابوسًا للسوريين. بعيدًا عن العبارة المعروفة لدى السوريين: ‘الحيطان لها آذان’.”
أما الناشطة “نور”، ابنة محافظة دمشق، فقد قالت أثناء الاحتفالات: “صحيح تهجرنا من بيوتنا، وصحيح تعذبنا وتشردنا لمدة 13 عامًا، لكن الحمد لله وصلنا إلى الهدف الذي خرجنا من أجله. تخلصنا من بيت الأسد، الذين لو كان بيدهم منع الهواء الذي نتنفسه، لحاسبونا عليه.”
من جحيم السجون إلى ساحات الحرية
في الاحتفالات، شارك “حسين فراحات”، المعتقل السابق الذي نجا من سجن صيدنايا أثناء تحرير سوريا، وهو غير قادر على تمالك دموعه، قائلًا: “والله العظيم بعمري ما كنت متوقع أني أخرج من السجن، كنت أنتظر الموت كل دقيقة وثانية. الموت كان أهون من اللحظات التي كنت أعيشها، رغم أن الموت كان محيطًا بي من كل الجهات.”
وأضاف بصوتٍ يملؤه الذهول والفرح في آنٍ واحد: “أنا ما كنت متوقع أني أظل عايش، فما بالك أني احتفل بسقوط الأسد؟ والله العظيم كأنني وُلدت من جديد، لا أصدق أنني خارج السجن وأشارك في هذه الاحتفالات. الله أكبر! حتى في أحلامي لم أكن أجرؤ على تخيل هذا اليوم.”
ثم تابع قائلاً وهو يردد العبارات التي سمعها داخل السجن: “عشر سنوات من الاعتقال، كنت قد تعودت فيها على سماع عبارات مثل “ربك بشار الأسد” و”الأسد أو نحرق البلد” التي كانت على مسامعنا دائمًا من السجانين. أما الآن، فأسمع كلمات تفرح القلب، تجعل عيوني تدمع من شدة الفرح. كلمات جميلة جدًا: “ما في للأبد، ما في للأبد! عاشت سوريا وسقط الأسد!’
وختم حديثه قائلًا: “أنا الآن جالس مع أولادي في البيت وأردد هذه العبارات، فقط لأشفي غليلي. الحمد لله، الله كبير!”
من القمع والخوف إلى الحرية والاحتفال
اعتاد السوريون لسنواتٍ طويلة على العيش تحت رقابة أمنية مشددة، حتى إن اجتماع ثلاثة أشخاص معًا كان كافيًا لإثارة الشكوك وجلب الملاحقة الأمنية. أما اليوم، فالاحتفالات تعمّ شوارع سوريا من شمالها إلى جنوبها، دون خوفٍ من أعين المخابرات أو التقارير الأمنية. الفرحة واضحة على وجوه السوريين، والابتسامات تملأ الشوارع. لم تعد هناك حواجز تمنع الناس من الاجتماع، بل على العكس، الجميع يحتضن بعضهم بعضًا، وكأنهم عائلةٌ واحدةٌ بعد سنواتٍ من التفكك والتهجير.
معاناة طويلة ونصر مستحق
ذاق السوريون جميع أنواع العذاب من قتل وتهجير، وغرقٍ في البحار، واختفاءٍ في الغابات طوال الـ 14 سنة الماضية، فضلًا عن حكم الأسد الذي استمر لمدة 54 عامًا.
اليوم، وبكل حضارة وكرم وأخلاق، يحتفل السوريون جميعًا بانتصار الثورة السورية. بهجةٌ كبيرةٌ ارتسمت على وجوه الجميع، حيث يحتفلون على أنقاض منازلهم وقراهم المدمرة، بعد أن دفعوا ثمنًا غاليًا للوصول إلى هذا النصر العظيم.
الشعب السوري يتطلع إلى العيش بسلام، بعيدًا عن الحرب والتهجير، وبعيدًا عن الطائفية والمسميات التي زرعها نظام بشار الأسد في عقول الناس.
انتصار الثورة السورية ليس مجرد حدث عابر، بل هو ميلادٌ جديدٌ لوطنٍ حر، وشعبٍ صامدٍ لم يرضَ بالظلم. اليوم تبدأ سوريا صفحةً جديدة، عنوانها الحرية والكرامة والعدالة، بعد عقودٍ من القهر والاستبداد.