من الوارد أن تصبح مصر المعقل الجديد المحتمل، لتنظيم الكيان الموازي/ فتح الله غولن، المسؤول عن تنفيذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، التي وقعت في تركيا منتصف يوليو/ تموز الماضي، وذلك من خلال استقبال النظام المصري لفلول التنظيم الذي خسر كل قواه على الصعيدين المحلي التركي والدولي وبدأ يترنح نتيجة إلقاء السلطات التركية القبض على أهم عناصره الذين عمل على زرعهم في مفاصل الدولة.
النظام المصري الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري قاده وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، ضد محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في تاريخ مصر (في 3 يوليو/ تموز 2013)، بعد سحقه للمظاهرات المناهضة للنظام بعنف وسفك دماء لم يسبق له مثيل، لم يتوانَ ومنذ أول لحظة، التعبير عن دعمه جهارا لمحاولة الانقلاب في تركيا. حيث بدأت وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة المقربة من السيسي، بالتهليل ومباركة محاولة الانقلاب منذ لحظاتها الأولى مساء 15 يوليو/ تموز الماضي، إلا أن مشاعر الفرح تلك تحولت لخيبة أمل عارمة، مع الساعات الأولى من صباح 16 يوليو/ تموز وفشل المحاولة الانقلابية، ولم تترك خلفها سوى اعترافًا من نظام السيسي بدعمه للانقلاب أمام أبناء شعبه والمجتمع الدولي.
تزايد حزم الدعوات التركية لاستعادة زعيم الكيان الموازي، فتح الله غولن، من الولايات المتحدة (حيث يقيم منذ مارس/آذار 1999 في بنسلفانيا)، وذلك بعد أحداث “غزي بارك” ومحاولة انقلاب 17-25 ديسمبر/ كانون الأول (2013)، لذا فقد زادت حاجة زعيم التنظيم وأعوانه لإيجاد مكان جديد يزاولون منه نشاطاتهم، وقت تكون مصر من أكثر البلدان ترجيحًا بالنسبة لهم.
وقال وزير العدل التركي، بكر بوزداغ، في وقت سابق، أن الحكومة التركية تلقَّت معلومات استخبارية تفيد بعزم زعيم التنظيم وأعوانه بمغادرة الولايات المتحدة إلى بلد آخر، مشيرًا إلى أن غولن قد يتجه إلى أستراليا أو المكسيك أو كندا أو جنوب أفريقيا أو مصر، وقد علقت مصر على ذلك رسميًا، عبر رئيس وزرائها، شريف إسماعيل، فقال: “لم نتلق طلبًا حول هذا الأمر، وإذا تقدم بهذا الطلب ستتم دراسته”.
– حركة دبلوماسية باتجاه استعادة غولن
بعد التحقق من ضلوع غولن في التخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة، دعت السلطات التركية الولايات المتحدة إلى إعادته، وتم الإعلان عن عزم وزير العدل بكر بوزداغ، ووزير الداخلية أفكان آلا، على السفر إلى أميركا خلال الأيام القادمة، لمناقشة المسألة مع الجهات المعنية هناك. فيما وجه على صاريقايا، رئيس مجموعة الصداقة التركية الأمريكية في البرلمان التركي، رسالة للرؤساء المشاركين في مجموعة الصداقة التركية الأمريكية بالكونغرس الأميركي، “إد ويتفيلد”، و”ستيف كوهين”، و”فرجينيا فوكس”، و”جيري كونولي”، شرح خلالها نقاط تتعلق بحالة الطوارئ في تركيا، والقرارات المتخذة في إطار مكافحة منظمة الكيان الموازي/ فتح الله غولن الإرهابية.
ونوه صاريقايا، بأن تركيا تواجه منذ نحو ثلاث سنوات، محاولات متعددة الأشكال تستهدف الاستيلاء على الدولة والحكومة، وأن المحاولة الفاشلة جرت خارج التسلسل الهرمي للجيش، مشددًا على أن المحاولة الفاشلة التي نفذتها عناصر متغلغلة في الجيش تتبع لمنظمة فتح الله غولن الإرهابية، كانت محدودة، لكنها أخذت أبعادًا خطيرة في الوقت نفسه، بسبب قوة السلاح الذي تملكه، وأن المحاولة أدت لفقدان مئات الأشخاص أرواحهم، وإصابة أكثر من ألف آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
إلى ذلك، علم مراسل الأناضول من مصادر في البرلمان التركي، أن صاريقايا ومجموعة تتألف من أعضاء يمثلون الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة، ستتوجه قريبًا إلى العاصمة الأميركية واشنطن، للقاء أعضاء في الكونغرس وأعضاء في منظمات المجتمع المدني لشرح المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا ودور منظمة فتح الله غولن الإرهابية فيها، فيما، توجهت مجموعة من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، قبل فترة، إلى واشنطن، لشرح المحاولة الانقلابية الفاشلة وطلب إعادة غولن إلى تركيا، وضمت اللجنة المشار إليها كلًا من رئيس لجنة الشؤون الخارجية والنائب عن حزب العدالة والتنمية (حاكم) في البرلمان التركي، طه أوزهان، والنائب عن حزب العدالة والتنمية، ماهر أونال، والنائب عن حزب الشعب الجمهوري (معارضة)، أوغوز قاآن ساليجي، والنائب عن حزب الحركة القومية (معارض)، كامل آيدن.
من جهته، قال جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أنه تسلم الوثائق وطلب الجانب التركي المتعلق بإعادة غولن، وأضاف “وزارة العدل تعكف حاليًا على دراسة الطلب والوثائق، وأن عملية الإعادة سوف تتم وفق الأطر القانونية”.
– موقف زعماء تنظيم الكيان الموازي من طلب التسليم
بعد فشل المحاولة الانقلابية التي خطط لها تنظيم الكيان الموازي في تركيا ما بين 17-25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، وكذلك المحاولة الفاشلة التي جرت منتصف الشهر الماضي، شعر غولن أن أيامه في الولايات المتحدة باتت معدودة، وهو ما حدا به لاستجداء الولايات المتحدة والغرب من أجل عدم الموافقة على الطلب التركي بتسليمه، حيث قال في مقالة نشرها في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: “في حال تمت إعادتي إلى تركيا فلن أحظى بمحاكمة عادلة”، مشددًا على أنه لا يقف وراء محاولة الانقلاب، وأن الغرب بحاجة لاسلام معتدل يتمثل بشخصه (على حد زعمه)، مشددًا على أنه ورفاقه “في خدمة الغرب”.
ونفى غولن في مقابلة مع سي ان ان انترناشونال (الأميركية) ضلوعه في أي محاولة انقلاب بتركيا وقال “إذا كان جزء من هذا الاتهام صحيحاً، فأنا مستعد للاعتراف بأنّ ما يقولونه صحيح وتحمل عواقب ذلك”، مشددًا على أنه ورفاقه “في خدمة الغرب” شريطة عدم إعادته إلى تركيا.
وبالنظر إلى معطيات المرحلة الراهنة، نجد أن غولن بات أمام ثلاثة خيارات، هي مواصلة نشاطه من مقر إقامته في ولاية بنسلفانيا إذا ما أصرت الولايات المتحدة على عدم تسليمه لتركيا، أو المثول أمام القضاء التركي في حالة إعادته، أو محاولة اللجوء إلى دولة أخرى خارج الولايات المتحدة، لإيجاد منفذ جديد يمكن منه إدارة أنشطة تنظيمه.
– علاقة غولن – السيسي
بالنظر إلى التوتر الحاصل في العلاقات بين مصر وتركيا، نجد أنه ليس من باب الصدفة دعم النظام المصري لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وامتناعه عن التصويت لصالح التنديد بالمحاولة الانقلابية في مجلس الأمن، وكذلك وفي منظمة التعاون الإسلامي. ذلك لأن العلاقة بين النظام المصري وتنظيم فتح الله غولن يعود إلى ما قبل تاريخ حدوث الانقلاب العسكري في مصر (3 يوليو/ تموز 2013).
كما هو معلوم، فإن تنظيم غولن يمتلك العديد من المدارس، ووسائل الإعلام، والمؤسسات التجارية والثقافية في مختلف المدن المصرية، كما أن التنظيم يعتبر مصر دولة ذات أهمية استراتيجية لأنها بمثابة بوابته المفتوحة باتجاه أفريقيا، لذا دعم التنظيم الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، ما أدى لتعزيز العلاقة بين الطرفين، كما بدأ النظام المصري يولي أهمية لتنظيم غولن، خصوصًا بعد محاولة الانقلاب التي خطط لها في تركيا ما بين 17-25 ديسمبر/ كانون الأول 2013. ما دفع الجانبين إلى التعاون في ظل معادتهما لتركيا.
انعكس دعم تركيا لإدارة الرئيس مرسي المنتخب شرعيًا، على علاقات نظام السيسي وغولن، سيما في المجال الإعلامي، حيث عقد التنظيم تحالفات مع وسائل الإعلام المصرية المؤيدة للانقلاب، بشن حملات إعلامية تستهدف تشويه صورة الحكومة التركية، والترويج لتلك الأخبار المشوهة عبر مسائل الإعلام المصرية والعربية. حيث وقع عبد الحميد بيلجي، مدير وكالة “جيهان” للأنباء (تابعة للتنظيم) على العديد من التفاهمات واتفاقيات التعاون مع مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في القاهرة.
وفي السياق ذاته، من المفيد الإشارة إلى خبر لم تورده الصحافة التركية على نطاق واسع حول مؤتمر تحت عنوان “تقييد حرية التعبير في تركيا وانتهاكات حقوق الإنسان”، انعقد في العاصمة المصرية القاهرة، بإشراف مشترك من منظمتي فتح الله غولن، وبي كا كا الإرهابيتين.
علاوة على ذلك، سعى عناصر التنظيم الناطقين باللغة العربية، عبر وسائل الإعلام، بعد فشل انقلاب يوليو/ تموز الماضي، إلى تسخيف تلك المحاولة من خلال اعتبارها “مسرحية”، بالتزامن مع بذل الجهود لزيادة نفوذهم في البلدان العربية انطلاقًا من العاصمة المصرية القاهرة، واستخدامها كقاعدة لشن حملات تشويه ضد تركيا.
وبالنظر إلى العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وتركيا، فمن المحتمل أن ترفض واشنطن تسليم غولن لأنقرة، إلا أنها قد تسعى أيضًا لمساعدته على اللجوء إلى بلد آخر، للتخلص من عبئه السياسي، بل وقد تقوم بتسليمه إلى تركيا. إن تفاصيل هذه المرحلة ستتضح على ضوء الاتصالات المكثَّفة الجارية على قدم وساق قضائيًا وقانونيًا وسياسيًا ودبلوماسيًا.
الأناضول