في أقوى تصعيد أمريكي بخصوص سوريا مع بدء تفعيل قانون قيصر الذي يهز أركان النظام السوري بقوة هذه الأيام بعد تهديد دعائمه، صدر أمس بيان لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ليحدد بدء تنفيذ العقوبات على النظام السوري والأسماء والكيانات التي يستهدفها. وكان لافتاً أن بشار الأسد وزوجته هما الهدف الأول «للهجوم» الأمريكي ضد العائلة الحاكمة وداعميها.
ومما لفت في البيان أن أسماء الأسد زوجة رأس النظام «أصبحت من أشهر المتربحين من الحرب في سوريا». وتهدد العقوبات الأمريكية أسماء الأسد للمرة الأولى، بعد أن كانت تسوق نفسها على أنها الوجه الحضاري للنظام السوري
كما يشمل القانون الجديد بشرى أخت بشار الأسد المقيمة في الإمارات.
سفيرة واشنطن في بيروت تعتبر أقوال نصر الله «أكاذيب»… والجميّل يحمّله مسؤولية «الابتلاء»
تزامناً بادر المصرف المركزي السوري إلى تعديل سعر صرف الليرة مقابل الدولار من 700 إلى 1250 ليرة «لردم الفجوة بين سعر السوق وسعر الحوالات».
وتستهدف المجموعة الأولى من العقوبات 39 شخصاً أو كياناً حسب بيان بومبيو، بمن فيهم وفي المقدمة الرئيس السوري نفسه وزوجته أسماء، التي وصفها بومبيو مع أسرتها بأنهم من أكثر المنتفعين من الحرب.
وينص القانون على تجميد أي أصول للشخصيات المستهدفة في الولايات المتحدة، ويعاقب كذلك أي شركات في الولايات المتحدة، كما يحظر على واشنطن تقديم مساعدات لإعادة الإعمار.
ونددت دمشق بالقانون وقالت إنه سيفاقم معاناة المدنيين. وقالت عن فرض واشنطن أشد عقوباتها على حكومة الرئيس بشار الأسد «إن سوريا ستقاوم العقوبات الجديدة».
أمّا لبنان، البلد الذي طالما شكّل رئة سوريا خلال الحرب وممراً للبضائع ومخزناً لرؤوس أموال رجال أعمالها، فقد يشهد تدهوراً أكبر في اقتصاده المنهار أساساً إذا لم تستثنه العقوبات.
تزامناً قالت صحيفة «ديلي تلغراف» إن الرئيس السوري بشار الأسد يواجه عاصفة حقيقية ستؤدي لانهيار اقتصادي.
وفي التقرير الذي أعده جيمس روثويل وجوزيه إنسور قالا فيه «إن بدء تطبيق قانون قيصر الأمريكي وزيادة الاحتجاجات على الظروف المعيشية يهددان حكمه وقبضته على السلطة في بلاده».
ويفرض «قيصر» عقوبات اقتصادية قاسية لتعزيز المساءلة عن الأعمال الوحشية التي يرتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري.
وزاد البيان «تطلق وزارتا الخزانة والخارجية اليوم 39 اسماً وكياناً في عملية إدراج بموجب قانون قيصر والأمر التنفيذي رقم 13894 كبداية لحملة متواصلة من الضغط الاقتصادي والسياسي لحرمان نظام الأسد من الإيرادات والدعم التي يحتاج إليها لشن الحرب وارتكاب فظائع جماعية ضد الشعب السوري». ووصف بشار الأسد وزوجته أسماء بأنهما «مهندسا معاناة السوريين».
وأضاف بومبيو «سنواصل هذه الحملة في الأسابيع والأشهر المقبلة لاستهداف الأفراد والشركات التي تدعم نظام الأسد وتعرقل التوصل إلى حل سلمي وسياسي للصراع حسب ما يدعو إليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. نتوقع فرض عقوبات أكثر بكثير، ولن نتوقف قبل أن يوقف الأسد ونظامه حربهما الوحشية وغير الضرورية ضد الشعب السوري، وأن توافق الحكومة السورية على حل سياسي للصراع حسب ما يدعو إليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وسأذكر بشكل خاص إدراج زوجة بشار الأسد أسماء الأسد للمرة الأولى، والتي أصبحت أكثر المستفيدين من الحرب السورية بدعم من زوجها وأفراد عائلة الأخرس سيئي السمعة. وبات أي فرد يتعامل اليوم مع هؤلاء الأشخاص أو الكيانات عرضة للعقوبات».
وأكد البيان «ما زالت الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل مع الشركاء الأمميين والدوليين لتوفير المساعدة المنقذة للشعب السوري الذي لا يزال يعاني على يد نظام الأسد».
ووصف عمر الشغري من المنظمة غير الحكومية في أمريكا «قوة المهام السورية الطارئة» والتي دفعت باتجاه تمرير القانون يوم 17 حزيران/ يونيو، موعد سريان مفعوله بأنه «يوم عظيم» للسوريين.
وقال الشغري الذي عذب في واحد من السجون وأفرج عنه في عام 2015، إن القانون هو من أجل حماية حقوق المدنيين السوريين ولهذا فلا بناء أو تطبيع مع النظام، وسيمنع النظام من شراء ما يحتاج إليه لبناء القنابل من أجل قتل المدنيين.
وكتبت إلزابيث تسوركوف الخبيرة بالشؤون السورية في المركز الدولي للسياسات الخارجية «يعاني الاقتصاد السوري من حالة انهيار ويحاول النظام توفير المال لخزينته وهو غير قادر على وقف عملية التدهور الاقتصادي المتسارعة».
وعدا عن المسؤولين السوريين، يوسّع القانون دائرة الاستهداف لتطال كل شخص أجنبي يتعامل مع دمشق وحتى الكيانات الروسية والإيرانية. ويشمل مجالات عدة من البناء إلى النفط والغاز. وينص القانون على اتخاذ إجراءات خاصة بحق المصرف المركزي السوري إذا ثبت تورّطه في «عمليات تبييض الأموال».
ويقول إدوارد ديهنيرت من وحدة «ذي إكونوميست» للبحوث والمعلومات «لا يزال على الولايات المتحدة أن توضح أين وإلى أي حدّ سيتم تطبيق العقوبات، لكن من الممكن القول إن قطاعات العقارات والإعمار والطاقة والبنى التحتية ستتأثر بشكل خاص».
وتشترط واشنطن لرفع العقوبات اجراءات عدة بينها محاسبة مرتكبي «جرائم الحرب» ووقف قصف المدنيين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة اللاجئين.
ويرى ديهنيرت أن القانون «يُعدّ ظاهرياً آخر محاولة في جهود الولايات المتحدة لفرض تسوية سياسية (…) والإطاحة بالأسد».
ويرجّح ديهينرت أن واشنطن «ستنجح إلى حد ما في مساعيها، فقد صُممت العقوبات لإبقاء نظام الأسد منبوذاً، وسيكون تهديدها باتخاذ خطوات عقابية كافياً لإخافة غالبية تدفقات الاستثمارات الخارجية».
من جهة أخرى، وعلى وقع دخول قانون « قيصر « حيّز التنفيد، وغداة خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي دعا فيه اللبنانيين الى عدم الرضوخ له، بدا أن لبنان سيكون ساحة رئيسية لصراع المحاور، حيث ردّت السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا وفي خطوة نادرة على الأمين العام لحزب الله ، فنفت ضلوع واشنطن في تضييق ضخّ الدولارات في لبنان، وأعلنت في حديث الى LBCI «أن الولايات المتحدة لا تمنع الدولارات عن لبنان والكلام عن أن واشنطن وراء الأزمة الاقتصادية والمالية تلفيقات كاذبة».
وحمّلت «سبب الأزمة المالية لعقود من الفساد ومن القرارات غير المستدامة»، متوجّهة الى الحكومة اللبنانية بالقول «عليكِ بتطبيق الإصلاحات التي طال انتظارها».
وكانت السفيرة الامريكية زارت وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي الذي استوضحها عن تداعيات قانون «قيصر» على الشركات اللبنانية العاملة في سوريا.
وجاء كلام شيا بعدما اتهم الأمين العام لحزب الله الولايات المتحدة مباشرة بمنع نقل الكميات الكافية من الدولار الى لبنان، وبممارسة الضغوط على المصرف المركزي لمنع ضخّ الدولارات في الاسواق، داعياً للتوجه شرقاً في اتجاه إيران والصين.
والمفارقة أن السفارة الصينية في بيروت أعلنت استعداد بكين للتعاون العملي مع الجانب اللبناني على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، وذلك في إطار العمل المشترك لبناء «الحزام والطريق»، علماً ان لبنان كان قد وقّع عام 2017 مع الصين، من ضمن 127 دولة من حول العالم، وثيقة التعاون بشأن بناء «الحزام والطريق» لفتح مجال جديد للنمو الاقتصادي العالمي وإنشاء منصة جديدة للتجارة والاستثمارات الدولية.
على خط آخر، سأل الرئيس سعد الحريري بعد استقباله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في زيارة تضامنية «هل نحن من قمنا بإنشاء قانون قيصر»، مشيراً الى أن «على الدولة اللبنانية البحث في كيفية التعامل مع تداعياته لأن القانون ليس لبنانياً وهو يُطبّق على أي دولة تتعامل مع سوريا». كذلك ردّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، على كلام نصرالله، معتبراً «أن خلاصة كلامه تعني أنه ليس هناك أي جواب على الأزمة التي يعيشها الشعب اللبناني من اقتصادية ونقدية ومالية، وأن الحل في الذهاب إلى المنطق الاقتصادي الممانع على مثال الدول الممانعة مثل إيران وسوريا وفنزويلا». وسأل «هل يحق لفريق من اللبنانيين أن يقرّر عن كل اللبنانيين وأن يأخذنا إلى لبنان آخر لم نقرره؟ وهل هناك أي قرار من مجلس الوزراء أو مجلس النواب يقول إننا بحالة حرب مع أمريكا والغرب والمجتمع الدولي؟». وأضاف «لا نريد مجتمعاً ممانعاً، ولا نريد ميليشيات إنما نريد سلاحاً واحداً، أي سلاح الجيش». وختم قائلاً لنصرالله: «أنت بليتنا بهذه الحكومة التي قلت إنها حكومتك».
نقلا عن القدس العربي