اتهم وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند روسيا بانتهاك القانون الدولي بقصفها السوريين دون تمييز، مرجحا أنها تستغل عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة لاقتطاع دويلة علوية لحليفها بشار الاسد، فيما تواصل قواته تقدمها في العديد من المناطق تحت غطاء جوي روسي في تناقض صارخ مع مشاركة وفد دمشق في مباحثات جنيف.
وكان هاموند قد قال الاثنين في واحدة من أكثر الاتهامات شدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا “لقد ضخ الروس الحياة في جسد نظام الأسد المتهالك، وهذا خبر سيء للجميع، ولذا هم يتحملون مسؤولية إطالة أمد هذا الصراع، إن هذا يبعث الحزن في نفسي لأن كل شيء نقوم به من أجل حل الأزمة يتم تقويضه من قبل الروس”، لكن الكرميلين وصف تصريحات هاموند بـ’المغالطة’ وانتقده بشدة.
وتأتي اتهامات الوزير البريطاني للروس بينما تتابع قوات النظام السوري تقدمها في محافظة حلب في شمال سوريا وباتت على بعد ثلاثة كيلومترات من بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين من الفصائل المقاتلة المعارضة، بحسب ما افاد مصدر عسكري سوري في المنطقة.
ويترافق هذا التقدم مع تعرض منطقة ريف حلب الشمالي لقصف جوي روسي هو الاعنف، منذ بدء موسكو حملتها الجوية في سوريا في نهاية سبتمبر/ايلول 2015 ، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.
وقال ضابط برتبة عقيد “باتت وحدات الجيش تبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن بلدتي نبل والزهراء تمهيدا لفك الحصار عنهما”.
واوضح ان هذا التقدم سيسمح “بقطع طريق الامداد الوحيد المتبقي للمسلحين نحو مدينة حلب” التي تشهد معارك مستمرة بين قوات النظام والفصائل المقاتلة منذ صيف 2012.
وبحسب المصدر، “جاء تقدم الجيش بعد شن ضربات جوية سورية روسية مشتركة”.
وتحاصر الفصائل المقاتلة بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب الشمالي منذ العام 2013 وفشلت محاولات سابقة لقوات النظام في فك الحصار عنهما.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، يوجد “اكثر من خمسة الاف مقاتل موالين لقوات النظام” في نبل والزهراء، وقد “تلقوا تدريبات على ايدي حزب الله اللبناني”.
وبدأت قوات النظام الاثنين هجوما في ريف حلب الشمالي بدعم جوي روسي، في محاولة لتضييق الخناق على مقاتلي الفصائل وقطع طرق امدادهم الى مدينة حلب.
وتمكنت الثلاثاء من السيطرة على بلدة حردتنين والتقدم باتجاه نبل والزهراء، غداة سيطرتها على قريتي تل جبين الاستراتيجية ودوير الزيتون.
وذكرت وكالة الانباء السورية الرسمية “سانا” الثلاثاء ان “وحدات من الجيش والقوات المسلحة بالتعاون مع مجموعات الدفاع الشعبي تعيد الامن والاستقرار الى قرية حردتنين في ريف حلب الشمالي اضافة إلى فرض السيطرة النارية على قرية رتيان الواقعة إلى الجنوب منها”.
وكان المرصد افاد في وقت سابق ان التقدم في ريف حلب الشمالي حصل بعد اشتباكات عنيفة بين قوات النظام والفصائل المقاتلة وبينها الاسلامية وجبهة النصرة وبدعم جوي روسي.
قصف روسي ‘جنوني’
وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن “شنت الطائرات الروسية منذ فجر الاثنين اكثر من 270 ضربة استهدفت البقعة الجغرافية الممتدة من كفرة حمرة (جنوب الزهراء) وصولا الى معرسة خان (شمال شرق) في ريف حلب الشمالي”.
واضاف “هذا القصف هو الاعنف الذي تشهده المنطقة منذ بدء موسكو حملتها الجوية” قبل اربعة اشهر.
وتسبب القصف الروسي على المنطقة الثلاثاء لا سيما بلدة عندان، بمقتل 18 مدنيا على الاقل، بينهم خمس نساء وثلاثة اطفال ومسعفان من الهلال الاحمر السوري، وفق المرصد.
واسفرت الاشتباكات منذ صباح الاثنين عن مقتل نحو عشرين عنصرا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها. كما قتل اكثر من 35 من مقاتلي الفصائل، بحسب المرصد
وفشلت في شباط/فبراير 2015 عملية عسكرية قام بها الجيش السوري في ريف حلب الشمالي وكان هدفها قطع طرق امداد الفصائل المقاتلة وفك الحصار عن نبل والزهراء. واستعادت الفصائل وقتها مجمل المناطق التي تقدم فيها الجيش.
وتمكن الجيش السوري خلال الاسابيع الاخيرة بغطاء من الطائرات الروسية التي تشن ضربات في سوريا منذ 30 سبتمبر/ايلول من التقدم في ريف حلب الجنوبي والشرقي على حساب الفصائل الاسلامية والمقاتلة وتنظيم الدولة الاسلامية.
ويترافق هذا التصعيد مع محادثات في جنيف يقوم بها الموفد الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا مع وفدين من الحكومة والمعارضة السوريتين.
ونددت المعارضة في تصريحات لها الثلاثاء بـ”تصعيد جنوني” في حلب.
وقال بشار الجعفري رئيس وفد الحكومة السورية في محادثات جنيف الثلاثاء إن المفاوضات لا تزال في مرحلة تحضيرية وإنه في انتظار أن يقدم له ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا قائمة بوفد التفاوض الذي يمثل المعارضة.
وأعلن دي ميستورا الاثنين بدء محادثات السلام رسميا. لكن الجعفري قال الثلاثاء إن المبعوث الأممي أدرك الآن أن الظروف غير ملائمة للمحادثات غير المباشرة التي سيجريها مع وفدي الحكومة والمعارضة في غرفتين منفصلتين.
تمسك بالإجراءات الشكلية
واضاف بعد اجتماع مع دي ميستورا دام ساعتين ونصف الساعة إن الإجراءات الشكلية ليست جاهزة بعد وإن المحادثات في مرحلة تحضيرية قبل بدء المفاوضات غير المباشرة رسميا.
وأضاف أن الإعداد للانطلاق الرسمي للمحادثات غير المباشرة يتطلب أن يكون هناك وفدان لكن لم يتم وضع اللمسات النهائية على وفد المعارضة.
وقال مصدر في الأمم المتحدة إن دي ميستورا الذي يحاول إنهاء حرب أهلية قتل فيها ربع مليون شخص وشرد عشرة ملايين من منازلهم، وعد بتقديم قائمة بأسماء أعضاء وفد المعارضة بحلول الأربعاء.
وقال الجعفري إنه لو كانت المعارضة تأبه حقا بأرواح السوريين لأدانت مقتل أكثر من 60 شخصا الأحد في هجوم لتنظيم الدولة الإسلامية في دمشق.
وكان ممثلو الهيئة العليا للتفاوض التي تضم مناهضين سياسيين وعسكريين للرئيس السوري بشار الأسد قد حذروا من أنهم لن يتفاوضوا ما لم تكف الحكومة عن قصف مناطق المدنيين وترفع الحصار وتطلق سراح السجناء.
وسئل الجعفري إن كانت دمشق مستعدة لمناقشة تلك القضايا فقال إن كل القضايا تمثل أولوية للحكومة وبينها الإرهاب والقضايا الإنسانية.
وأضاف أنه ما إن يبدأ الحوار رسميا سيبدأ وفد الحكومة في تناول تلك القضايا. وكرر أنه يجب ألا تكون هناك شروط مسبقة لبدء المحادثات.
وبدعم من ضربات جوية روسية تحقق القوات الحكومية السورية وحلفاء لها مكاسب على حساب المعارضة في عدة مناطق بغرب البلاد حيث تقع المدن الرئيسية.
وهددت القوات الحكومية الثلاثاء خطوط إمداد للمعارضة إلى مدينة حلب في شمال سوريا.
وقال سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض إن المعارضة لم تقرر حتى الآن ما إذا كانت ستحضر اجتماعا مقررا مع مبعوث الأمم مساء الثلاثاء واتهم روسيا بتعريض المحادثات للخطر بسبب حملة القصف التي تشنها.
وتابع أن الوضع الراهن يشير إلى أن النظام السوري وحلفاءه خاصة منهم روسيا، عازمون على رفض جهود الأمم المتحدة لتنفيذ القانون الدولي.
وأضاف أن أفعال النظام وروسيا تعرض عملية السلام لخطر شديد في هذه المرحلة المبكرة ودعا الدول الكبرى إلى الضغط على موسكو.
وقال إنه يبدو أن لا أحد يساعد المعارضة، موضحا انها تثق بأصدقائها لكنها تريد أن ترى خطوة تتخذ لتقطع من جانبها عشر خطوات في المقابل.
دعوة أميركية
من جهته دعا وزير الخارجية الاميركي جون كيري الثلاثاء وفد المعارضة السورية في مفاوضات جنيف الى مواصلة محادثات السلام رغم استمرار القصف الروسي.
وقال كيري مخاطبا المفاوضين من المعارضة السورية “بالنسبة لمسالة القصف الروسي اثناء جلوسكم على طاولة التفاوض: نحن جميعا متعاطفون بشكل كبير مع وضع المعارضة التي تجلس على الطاولة بينما يقوم احدهم بقصفكم”.
وصرح عقب لقاء عقد في روما وضم دول التحالف المشاركة في الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية “لكن الاتفاق في الامم المتحدة والاتفاق في فيينا كانا على اساس انه عندما يبدأ الحوار السياسي سيكون هناك وقف لإطلاق النار. ولذلك فان الامل والتوقع هو ان الامر يجب ان لا يستغرق وقتا طويلا، ونحن لا نطلب من الناس الجلوس على الطاولة لأشهر. فذلك جنون”.
واشار كيري الى ان روسيا دعمت قرار مجلس الامن الدولي الذي يؤكد على التوصل الى وقف لإطلاق النار فور بدء محادثات الانتقال السياسي في سوريا.
وقال “لقد تمت الموافقة على التوصل الى وقف لإطلاق النار، وصوتت روسيا بالموافقة على ذلك واعربت عن دعمها له”، مضيفا انه ناقش المسالة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف خلال الايام القليلة الماضية.
وقال كيري “يجب ان يكون التوصل الى وقف لإطلاق النار ممكنا. فالروس يستطيعون ضبط طائرتهم. ويستطيع الروس والايرانيون الذين يدعمون الاسد ضبط طائراته”.
واضاف “ويجب علينا نحن الذين ندعم المعارضة ان نضمن التزام المعارضة بوقف اطلاق النار”.
واشار الوزير الأميركي الى انه سيتصل بالمبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا الذي يقود محادثات جنيف، في وقت لاحق وان مجموعة دعم سوريا الدولية المؤلفة من 17 دولة من بينها ايران وروسيا، ستلتقي مرة اخرى الاسبوع المقبل.
ميدل ايست أونلاين