يجلسُ الكثيرُ منَ الناسِ حاملينَ أجهزتهم اللوحية، يمضونَ الوقتَ الطويل، همهمُ الوحيد الحصولُ على بعضٍ من العُملِ الذهبيةِ (الكوينزات) على برنامج “يلا”
يجلسونَ ليلَ نهار ک “أحمد” الذي يمضي معظمَ يومه حاملاً عدة جوالات وشغله الشاغل الحصول على “الكوينزات” لأنه أصبحَ باباً يرتزقُ منه كما يقول: (أمضي حوالي عشر ساعاتٍ في اليوم، أحملُ أربعَ أجهزة جوال وأعمل بها، فقد أصبح برنامج “يلا” مصدر رزقي الوحيد، بعدما هاجرت من بلدتي منذ السنتين، ولم يبقَ لديَّ عملٌ أرتزقُ منه).
سألتهُ ماذا تجني من ذلك العمل، وهل هو عملٌ مناسبٌ ويغطي مصاريفكَ أنت والعائلة؟
(أجني تقريباً خمسونَ دولاراً شهرياً من كل جوال، وهو عملٌ مناسبٌ ويغطي تكاليف مصروف العائلة، ولقد وفرَ لنا الكثير بعد هجرتنا عن منزلنا وغيابِ أرزاقنا وأعمالنا هناك)
كانَ الناسُ في مخيماتِ اللجوءِ على الحدودِ السوريةِ التركية منهمكين بالعمل عليه، فهناك بطالةٌ كبيرة، والكثافة السكانية عالية جداً، مع غياب فرص العمل، مع كل هذا وجدَ الناسُ في هذا البرنامج فرصةً كبيرة لهم ولعوائلهم بالعملِ عليه، لاسيما أنَ العملَ عليه لاينحصرُ في كبيرٍ أو صغير، أو رجلٍ وامرأة
فها هيَ “أُمُ محمد” إمرأةٌ من ريفِ حماةَ الشمالي، تقطنُ في مخيماتِ “أطمة” بعدما استشهدَ زوجها منذ مايقارب السنتين، باتت المعيلةَ الوحيدةَ لصغارها
تعملُ على البرنامجِ ذاته، تقول أنها تجني قوتَ يومها منه، ولن تحتاج لأحد بعد اليوم إلا الله، كانت سعيدةً جداً عندما طلب منها أحدُ صغارها بعضَ النقود واستطاعت أن تلبيه على غير عوائدها، حالها حالُ الآلافِ من الناس، اللذين لايملكونَ عملاً أو لايستطيعونَ العمل، بات ذلك البرنامجُ عملهم وشغلهم الشاغل،
لم يعد الناسُ يأبهونَ لما أطلقهُ البعضُ من صيحاتٍ وندائاتٍ بحرمانية العمل بهذا البرنامج، فبعضهم حللَ والآخرُ حرم، لكن الناس هنا ممن انقطعت عنهم سبلُ المعيشة، وباتوا محتارينَ في قوتِ يومهم تجاهلوا تلك الندائات، فأمامَ جوعِ الأطفالِ واحتياجاتِ المنزلِ لاصيحات تسمع ولا ندائات تستجاب
كنتُ كلما دخلتُ منزلاً أو خيمةً أو محلَ بقالة أرى الناس منشغلين به، منهمكين بالعمل عليه، ولا يسمعون أو يتحدثون إلا على برنامج “يلا” وجمع “الكوينزات” بها، بات ملاذاً لهم لقضاء الوقتِ وجنيّ المال، بعدما هجرهم النظام من منازلهم وتركهم يقبعون في خيامهم، لاينظر لحالهم أو لحرمانهم أحد
يبحثون عن لقمةِ عيشهم في كل مكان، وفي أي وسيلةٍ ممكنة
إبراهيم الخطيب/المركز الصحفي السوري