خلال خمس سنوات مضت من عمر الثورة السورية, شهدت مدينة حلب العديد من الأحداث الحافلة, وعايش أهل مدينة حلب هذه الأحداث لحظةً بلحظة: لحظات وساعات وأيام لم تكن متشابهة في كل تفاصيلها, وتفاوتت فيها الأحداث ما بين “الحلو والمر”, فبعد أن بدأ الحراك الثوري السلمي ينتشر بين أهالي المدينة وسكانها, بدأ تاريخ جديد من عمر المدينة التي دخلت مرحلةً جديدة غيرت مسار الحياة فيها وانعكست على حياة سوريا ككل, فحلب ليست كغيرها من المدن, هي عاصمة الشمال ومركز ثقله, هي العاصمة الاقتصادية والصناعية لسورية, لذلك كان وقع دخول حلب نطاق الثورة السورية مدوياً ومزلزلاً في آن معاً لكل من راهن على خنوع هذه المدينة وأهلها الأبطال.
تحول إلى حراك صاخب مع بدء اندلاع المظاهرات في مختلف أحياء المدينة, وكان لهذه المظاهرات أثرٌ كبير على حياة الناس, حيث عاشت المدينة وأهلها حالةً من الفرح والحزن والتحدي, فالمدينة التي طال انتظارها, دخلت دائرة الصراع بين شعب مقهور ونظام جائر, لذلك كان وقع هذه الحادثة إيجابياً في نفوس أهل حلب قبل غيرهم.
ولأن الثورة عليها أن تضحي بالغالي والنفيس, وهناك ضريبةٌ كبيرة سيدفعها الثائرون, بدأت قوافل الشهداء من أبناء حلب تتوالى قافلة بعد قافلة, وبدأت مواكب التشييع للشهداء تتعاظم يوماً بعد يوم, نتيجة التصدي الوحشي الذي قام به عناصر النظام ورجال مفارزه الأمنية للمظاهرات الحاشدة التي قام بها أبناء المدينة, لم تفلح سياسة القمع هذه التي سلكها النظام, فقاطرة الثورة في حلب قد أقلعت, وركب فيها أهلها للوصول إلى حريتهم المنشودة, وساروا نحو هدفهم بثبات وإصرار, فاستمرت نار الحراك السلمي بالاشتعال والتعاظم, ثم ما لبثت أن تحولت الأحداث عند منعطف فارق؛ دخل الجيش الحر أحياء المدينة في عام 2012م, وتم تحرير أكثر من ثلثي المدينة, وعرفت الأحياء المحررة فيما بعد بأحياء حلب الشرقية.
عاشت أحياء حلب الشرقية في العام 2013 حالة من الازدهار والانتعاش, في الوقت نفسه الذي كانت فيه أحياء المدينة الغربية التي يسيطر عليها النظام تعيش حالة من الفوضى والابتزاز والاحتكار للسلع التموينية والأساسية حتى أصبحت الحياة فيها لا تطاق, فبدأ المدنيون القاطنون فيها بالنزوح منها والتوجه إلى أحياء حلب الشرقية المحررة رغم قصف النظام لها, وكان المعبر الشهير “معبر بستان القصر”, هو صلة الوصل بين قسمي المدينة.
الاستقطاب الكبير وحالة الانتعاش العظيمة في حلب الشرقية لم تعجب النظام وروسيا وإيران بل حتى دول العالم التي تدعي صداقة الثورة, فبدأ النظام بحملة قصف دموية عنيفة ومكثفة استخدم فيها جميع أنواع الأسلحة المدمرة من الطائرات وراجمات الصواريخ والمدافع, حتى بدأت تلك الأبنية السكنية بالانهيار فوق رؤوس ساكنيها, وحدثت عشرات المجازر البشعة بحق أبناء حلب, ولم يكتف النظام بذلك فاستعان بقوة سلاح الجو الروسي الذي بدأ بقصف مفاصل الحياة داخل حلب من المدارس والمشافي والنقاط الطبية والحيوية, وعلى صعيد آخر, بدأت المؤامرات والمساومات بالانعقاد في الغرف السياسية والدبلوماسية السرية بين الدول الإقليمية والدولية, والعنوان العريض لها هو: “يجب إنهاء صمود حلب”.
قد تكون الأسباب متعددة, وقد تأتي في مقدمتها أن المجتمع الدولي الرافض لانتصار الثورة, أراد من إسقاط حلب فرض رؤية النظام ومن خلفه روسيا وإيران على طريقة الحل السياسي في سورية, لذلك كانت تلك المؤامرة على صمود حلب هي بمثابة ورقة مساومة سياسية يلعب بها اللاعبون.
وبدأ حصار المدينة وأهلها الصامدون, مع توسيع دائرة القصف والاستهداف للبشر والحجر, وترك الثوار داخل المدينة وحدهم, وبدأ النظام يقضم الأحياء المحررة واحداً تلو الآخر, حتى ضاقت تلك المساحات على الثوار والمدنيين وسط نقص حاد في أدنى مستلزمات الحياة, ورغم ذلك مازال الثوار داخل حلب صامدين حتى هذه اللحظة, والأعظم من ذلك صمود المدنيين المحاصرين الأسطوري.
لا تبدو الخيارات كبيرة أمامهم, ولكنهم صامدون, ينتظرون حراك إخوانهم خارج حلب, فهل يسمع أحرار سورية وثوارها أنين صوتهم من جديد, ويفعلوا كل ما يستطيعون لإنقاذهم؟
هذا ما يجب أن يحدث, فبركان حلب يجب ألا يخمد أبدا..
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود