تباينت مواقف الفنانين والمثقفين السوريين من الثورة السورية منذ اندلاعها في آذار/ مارس/2011، فمنهم من أعلن وقوفه صراحة مع الحراك الثوري وآخرون اختاروا الانحياز للنظام، وفريق ثالث آثر أن يكون رماديا فلجأ إلى الصمت.
وتعد مواقف الفنانين والمثقفين هامة لجهة استقطاب جماهيريتهم لاسيما الممثلين السوريين الذين نالوا إعجاب الملايين خلال فترة نهضة الدراما السورية خلال العقدين الأخيرين.
ودفع فنانو الثورة أثمانا باهظة لوقوفهم مع مطالب الشعب ضد نظام لم يوفر نوعا من أنواع الانتهاكات إلا وارتكبه بمؤازرة شبيحة موالين يحكمهم التعصب الأعمى في الانحياز للأسد ناتج بمعظم الأحوال عن مصالح اقتصادية أو روابط طائفية أكثر منه موقف سياسي.
وكعادته في التعامل مع المتظاهرين السلميين، لم يسمح نظام الأسد لأي من الفنان التعبير عن الحد الأدنى من الانحياز الإنساني على الأقل وليس السياسي.
ويتذكر معظم السوريين “بيان الحليب” الذي كتبته الأديبة والناشطة السياسية ريما فليحان ووقع عليه نحو 1200 من الفنانين والمثقفين السوريين.
وللتذكير فإن “بيان الحليب” الصادر في 29/4/2011 كان يطالب بفك الحصار عن حليب الأطفال وإيصاله إلى أطفال درعا، عقب بدء هجوم بري على المدينة عقب نحو 40 يوما من إعلان انتفاضتها على النظام الذي عذب أطفالها بوحشية وأهان وجهاءها وشيوخها.
ورد النظام على صاحبة البيان والموقعين عليه بالاعتقال والإهانات والتهديد بالتصفية لهم ولعائلاتهم، كما حدث مع الفنانة الكبيرة منى واصف حين أجبرها وغيرها على الظهور على شاشات قنواته للإعلان عن تراجعها عما فعلت.
وبعد “بيان الحليب” بنحو شهر ونصف شهدت العاصمة دمشق ما سمي بمظاهرة المثقفين التي اعتقل شارك بها عشرات الفنانين والمثقفين واعتقل 19 منهم، بينهم مي سكاف والأخوان ملص وإياد شربجي وريما فليحان ويم مشهدي، وغيرهم.
وضمن هذا السياق وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إقدام قوات النظام على قتل 14 فنانا ومثقفا بينهم 4 قضوا تحت التعذيب في معتقلاته.
ونقلت الشبكة في تقرير لها حول مواقف الفنانين بين الثورة والنظام عن أكثر من فنان أم مكتب ماهر الأسد هو المسؤول عن التعامل مع الفنانين والمثقفين.
وأكد التقرير، الذي اطلعت “زمان الوصل” عليه، أن نظام الأسد نفّذ 50 حالة اعتقال بحق فنانين ومثقفين شملت ممثلين وكتابا وتشكيليين وموسيقيين، مشيرا إلى أن 9 منهم مازالوا بين الاعتقال والاختفاء القسري.
وذكر أن التنظيمات المتشددة المتمثلة بتنظيمي “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” وفصائل المعارضة قتلت 8 فنانين، واعتقلت 7 آخرين.
واستعرضت الشبكة في تقريرها عدة انتهاكات بحق بعضهم، كما حدث مع فنان الكاريكاتير السوري العالمي علي فرزات، الذي تحدث للشبكة عن اعتداء تعرض له في آب/أغسطس/2011، متهما بكل صراحة شبيحة الأسد بذلك.
كما حرض النظام عن طريق فنانين موالين له ضد المعارضين، واستخدمهم، حسب التقرير، لتشويه صور زملائهم المؤيدين للثورة أمام الجمهور، فضلا عن التضييق عليهم من خلال حظر تعامل شركات الإنتاج المرتبط معظمها بالنظام مع الفنانين المؤيدين للثورة.
وشاب التقرير غياب بعض الفنانين والمثقفين الذين انحازوا ضد نظام الأسد، ومنهم الموسيقار السوري العالمي مالك الجندلي الذي كان من أوائل الفنانين المؤيدين للثورة، فدفع والداه ثمن موقف ابنهما، عندما اقتحم شبيحة موالون من “اللجان الشعبية” بيتهما في مدينة حمص، ولم يراعوا كبر سنهما فضربوهما وأهانوهما وتركوهما مضرجين بدمائهما.
كما لم يتطرق التقرير إلى اعتقال وربما تصفية فنان الكاريكاتير أكرم رسلان الذي مازال مصيره مجهولا، بعد إشاعة خبر قتل النظام له في المعتقل.
زمان الوصل