“حسيت حالي مبوظة وبردانة، فاتت المي علينا جوا الخيمة الساعة 3 بالليل، بتمنى تطلع الشمس وتنشف غراضنا ونرجع للخيمة”
هذه الكلمات التي تحمل في طيّاتها الكثير من حكايات الألم والقهر تقولها “إسراء” طفلة لم تتجاوز العشر سنوات، هجّرها النظام من ريف حلب، لتحكي مأساتها وحرمانها من كلّ شيء بما فيه حقوق الطفولة وأحلامها.
بجسدٍ نحيلٍ يرتجف من البرد، وقدمين عاريتين دون جوارب يغطيهما الوحل كأنّه يحاول حمياتها من البرد تقول إسراء “ما في عندي غراض ألبسن، غراضي كلن طافو، ما ضل عندي شي ألبسه”
تمدّ إسراء يديها أمام النار التي أشعلها الناس بين أكوام الوحل بأحد إطارات السيارات، لتدفئة الأطفال الذين نهش أجسادهم البرد.
عينان بنيتان تحملان قهراً من حاضرٍ تعيسٍ ممزوجٍ بأمل المستقبل الذي تحمله عين كلّ طفل لا يعرف الحقد، لم تحلم بدميةٍ أو مأكولاتٍ شهية، وإنّما تجسّدت أحلامها ببزوغ الشمس لتجفف ثيابها وأغطيتها المبللة.
تكمل إسراء كالكبار الذين خاضوا تجارب قاسية في الحياة وتقول “طافت كل المونة وما قدرنا ناخد منا شي، بتمنى تطلع الشمس وتنشف الأرض وكل واحد يسكن بخيمته أحسن ما نبرك عند الناس”
بنظرة يحفوها التأمّل العميق الذي ربّما يستعيد لحظات الألم أو ربّما يستحضر نظرات الأمل تحكي إسراء حلمها الذي أضحى حلم كلّ حرّ تهجّر من بيته عنوةً وتقول “إن شاء الله، الله بيفرجها علينا ومنرجع على بيوتنا”
لا تختلف قصّة إسراء عن قصّة حازم الذي لم يتجاوز ال7 سنوات، مهجّرٌ من ريف إدلب الجنوبي ليعيش قساوة الحياة ويعاني برد الشتاء في مخيمات الشمال، يمزج وجهه بالطين الذي ملأ كلّ جزء من جسده الصغير.
يقول حازم وأسنانه يصطك بعضها ببعضٍ من البرد وسياطه التي ضربت جسده طوال الليل “بقينا كل الليل ننقل المي من جوا الخيمة لبرا، وتعبت غراضنا وتيابنا كلا مي ووحل”.
يشير حازم بيده الصغيرة الملطّخة بالوحل إلى ثيابه المبللة ويقول “حتّى تيابي هدول يلي لابسن معبايين مي”
أمّا عن أحلام الطفولة في رأس حازم فلم تتجاوز خيمة لا تخترق جدرانها مياه الأمطار ولا يدخلها برد الشتاء بقوله “بتمنى يكون عنا خيمة شقد ما نزلت مطر ما تفوت لجواتها وتعبيها مي وتغرقنا وتغرق تيابنا ومونتنا”
بحسب تقارير الدفاع المدني السوري أمس الثلاثاء 19 كانون الثاني/يناير تضرر أكثر من 169 مخيماً، بسبب السيول والأمطار في ريفي إدلب وحلب.
وبلغ عدد الخيام التي تضررت بشكل كلي بحسب التقارير، أكثر من 280 خيمة، و2400 خيمة تضررت بشكل جزئي، ويقدّر عدد العائلات التي تضررت جرّاء الأمطار قرابة 2500 عائلة.
الجدير ذكره أنّ عدد المخيمات في الشمال السوري بلغ أكثر من 1153 مخيماً من بينها 242 تجمعاً عشوائياً، تضمّ أكثر من مليوني شخصٍ يعيشون في ظروفٍ مأساويةٍ تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
محمد المعري
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع