تصرخ بأعلى صوتها، ليساعدني أحد، رجاءً ساعدوني، لقد سمعوني لكن لا استجابة، يركضون بالقرب مني لكن لا يستجيبون، بقيت بمفردي و بلوزتي عالقة في الحديدة.
” آية ” مع عائلتها من مدينة الباب شرق حلب، ارادوا السفر لتركيا، في مسيرتهم وصلوا أولا لمدينة إعزاز و ليلة السفر جمعوا عدتهم، وبدأت مسيرتهم نحو الحدود بعد ركض 5 متر ” ركضنا دون توقف “، الساعة الثانية ليلا في غابة مظلمة، بعد كل هذا الركض، ظهر أمامنا منحدر كالوادي و علينا أن ننزل نزلة كبيرة و بعدها نصعد وهناك حديدة كبيرة عند قمة هذا الوادي.
” هيا اصطفوا كل عائلة وراء بعضها ” .. هذا ما قاله المهرب، وقفت أمي في المقدمة بعدها أخي الكبير حاملا أخي الصغير وبعده أخي الثاني حاملا حقيبة، وبعدهم أنا مع شخص غريب أمسك يدي، قالت له عائلتي ليمسك بيدي و أنني أمانة معه، وقالوا له ألا يترك يدي أبدا، صعدت عائلتي و من ثم أنا و ذاك الرجل الممسك بيدي وعند القمة علقت بلوزتي بالحديدة، أفلت يدي وركض هذا الرجل.
عائلتي كانت قد سبقتنا و الناس يتابعون الركض بجانبي، طلبت منهم المساعدة لكنهم أغلقوا ضميرهم و إنسانيتهم وتابعوا المسير دون أي استجابة لمساعدتي، ألم يساعدك أي أحد يا آية .. ابتمست إبتسامة سخرية وقالت للأسف لا، كانوا في ذاك الوقت كل شخص اللهم نفسي، ماذا حدث بعد ذلك؟!
بقيت بمفردي في هذه الغابة المظلمة في منتصف الليل و أنا عالقة في تلك الحديدة، حاولت جاهدة أن أخلص نفسي من هذه الحديدة و نجحت لكن في هذا الوقت ازداد خوفي، و لِم ؟! لأن بدا الضوء يظهر مع بداية النهار وعند هذا الوقت يأتي ما يسمى الشرطة التركية، ماذا فعلتي في هذا الوقت؟!
ركضت كثيرا و رأيت جماعة من الناس وسألتهم ماذا أفعل لقد أضعت عائلتي؟! هل رأيت أحدا من عائلتك بينهم؟! لا للأسف لم أرى أحد و هذا جعلني أخاف أكثر وجعلني أقف في أرضي دون حراك، اختفوا الناس مرة أخرى وبقيت بمفردي مجددا، وقفت مصدومة في هذه الغابة، الأشجار من حولي كأنها وحوش واحسست بتلك الحديدة التي امسكتني زعيم تلك الوحوش، الذي أمسك بي وأبعدني عن عائلتي .. الهواء .. حتى الهواء الذي في الأجواء اخذ يخنقني
الظلام احتل قلبي والرعب يتغنى بين شراييني، بكيت كثيرا حتى أحسست قلبي قد توقف من كثرة البكاء، بعدها رأيت اثنين من الشرطة يحملون مصباحا بيدهم ركضت واختبأت وراء شجرة كبيرة وقفت كالعمود دون حراك حتى النفس كنت آخذه بصعوبة، وجهوا الضوء بالقرب مني لكن لم يروني، عندما هموا بالرحيل خرجت أمامهم عن قصد،
لما رميت نفسك في هذا المأزق؟!
خفت من البقاء بالغابة مرة ثانية بمفردي، لكنهم كانوا لطفاء جدا ويشبهون بعضهم يبدو أنهم توأم فتشني أحدهم وأخرج من جيبي قرط ذهب وبعضا من النقود وكان واحد منهم يتكلم العربية لكن بصعوبة، اتى اثنان غيرهم فقال لي اخفي المال والقرط بسرعة ولا تخرجيهم أمامهم وقد بدا على علامات وجههم أنهم سيئين، اقترب أحد منهم الي فدفعه ذاك اللطيف قائلا إنها صغيرة ابتعد عنها، بعد حديث دار بينهم والبكاء الذي لم اوقفه بعد قرروا أن يرجعوني من حيث اتيت، قال لي ذاك السيء اذهبي من هذا الطريق، كان هناك ثلاث طرق (يمين وسط يسار) فقال لي أن اتوجه لليمين، لكن راودني شعور أن هذا طريق خاطىء لذا سلكت غير طريق، لم يفعل لك شيء لهذا التصرف؟! لا .. كانوا بعيدين عني فقط وجهوا الضوء نحوي لأبصر الطريق وكان همهم ألا أعبر لذا رحلوا و أنا أسير.
هل كان لك وجهة محددة؟ لا كنت أسير دون أن أدري إلى أين، فقط أسير .. سمعت أصواتا فاتبعتها وعندها رأيت أشخاص جالسين بقرب سيارة، ركضت نحوهم واخبرتهم بقصتي فقال أحدهم أنت والدك فلان قلت نعم قال خير إن شاء الله أنا أعرفه، أنا صديقه المقرب، جعلني أتكلم مع عائلتي، قالوا له أن يوصلني لهم بأي طريقة، بقيت عنده شهرا كاملا لعدم تيسر الذهاب لكني لقيت ترحيبا ومعاملة طيبة جدا منه و من زوجته و أولاده.
بعد شهرا كاملا، سلمني هذا الرجل لعائلة مخبرهم قصتي و اودعني أمانة عندهم ليوصلوني، الساعة الثانية ليلا نفس الغابة والطريق، الرحلة تعيد نفسها لكن هذه المرة الرجل أمسك يدي وكانها التصقت بيده ولم يتركني عبرنا بسلامة ليستقبلتي أبي مع أعمامي لحظة وصولنا، لم يكن هناك وقت للحضن والبكاء الساعة الرابعة و النصف ليلا، ذهبنا للمنزل اطعمني أخي ونمت ..من كمية التعب الهائلة نمت لليوم الثاني لكن نمت وأنا مطمئنة دون خوف.
شيماء قادرو
المركز الصحفي السوري