“سأبقى أحاول مراراً و تكراراً بالعبور إلى تركيا، حتى أصبح داخلها، و عندها سأعمل و سأرسل لكم مبلغا جيدا لتلحقوا بي و نستقر بعيدا عن رعب القصف و الحياة القاسية هنا “.
تلك عبارات كانت ترسم أحلام شاب سوري في السادسة عشر من عمره، أدرك محمد (اسم مستعار ) أنه يجب عليه ترك المنطقة التي يقطن فيها و الهجرة إلى تركيا، هناك حيث العمل الوفير و الأجور الممتازة، بدأ يرسم كل أحلامه في الهجرة إلى هناك، ولكن الواقع كان صادما.
بعد محاولات عدة باءت بالفشل، نجحت محاولة أخيرة، أدت لعبوره للداخل التركي بنجاح، لم يصدق ذلك، مضت أول ليلة بنوم عميق لعله يذهب التعب الذي أنهك جسدي، لأستيقظ على أصوات إخوتي و أولادهم و هم مجتمعون، للترحيب بي بينهم، تابع و قد كانت ملامح السخرية والإحباط واضحة، ظننت أنهم مجتمعون محبة بي، ولكن سرعان ما زال هذا الاهتمام وتبدل بإهمال تام، لم يعد أحد منهم يرغب باستضافتي في بيته، خوفا من أن استقر عندهم، وبدأت المفاجآت التعيسة تزيد يوما بعد يوم.
تابع سرده مع قهوة ساخنة، بعد مضي الأيام، لم أعد مرغوبا بالمرة، و قررت الابتعاد عنهم، بدأت رحلتي ما بين تبدل السكن و العمل، و بين البعد عن الأهل، و بدأت أعاني من ألم البعد و الاشتياق لأمي وأبي، و صعوبات التعايش مع الاختلاف الذي بت أشعر به في حياتي اليومية، كاد الحنين للبلاد والأهل يقتلني .
بقيت أسافر من منطقة إلى منطقة ولكن بلا جدوى، تارة يسيطر اليأس على قلبي، و أقرر الرحيل و تارة يلهمني الله الصبر و انتظر الفرج من الله، كان واضحا جدا آثار تعب و إرهاق مبكرين تحت عينيه.
و الآن و قد أتم الثامنة عشر من عمره، رأى العجب في تلك السنتين، و لازال يكافح في التنقل والبحث عن أجور تناسب ما يحتاجه أهله من مستلزمات أجار و ماء و كهرباء و طعام و لباس، و ما يلزمه من مصروف يسد به متطلبات أقربائه الذين لم يقبلوا استضافته عندهم، إلا بمبلغ ثمين شهريا و بات يتقطع بين الحين و الآخر.
ذلك كان لمحة من معاناة سوري مهجر في تركيا، و ليس الأول ولا الأخير، ذلك الاستهتار في العلاقات العائلية يؤدي غالباً إلى العداوات، لكن لماذا أصبح المال فوق العلاقات العائلية ؟!
بقلم : ابتهال دعبول