بعض الرحيل يختاره الإنسان والبعض الآخر يُجبر عليه، فيأتي بثقل الجبال فيُمارس بخطوات متثاقلة، وكأن الشخص يجر العالم بأكمله خلفه، فيمضي أحياناً ويلتفت للوراء أحياناً.
لأن في الخلف أشياء وأحلام وذكريات وأرواح لا يمكن أن تُنسى ورحيل بسام.
كان اختيار أراد به السفر تاركاً وراءه والده وحيداً محاطاً بمتاعب الحياة وأوجاعها بعد أن ضحى بعمره لأجله.
” ابني سافر وتركني وضليت أنا لحالي” يقول الحاج أحمد بعيون بنية دامعة متألمة ووجه أسمر قد خط عليه الزمن كل عبارات الحنين لرؤية ابنه بسام، الذي سافر في صيف 2018 إلى أوروبا، لتحمل الحياة بالحاج أحمد وسط فيض الذكريات التي تصب في قلبه، فتوقع به أذى الشوق إلى حيث اللقاء وعناق ابنه بسام بعد فراق سبب حزناً عميقاً في روحه لا يُمكن أن تراه، ولكنه يسبب الكثير من الألم الذي يمكن للآخرين أن يشاهدوه بوضوح.
يتلعثم الحاج أحمد في الكلام وكأن روحه فقدها في غياب بسام ابنه الوحيد، وقلبه يعجز عن تقبل فكرة الفراق حيث لامجال لتغييره، “كتير مشتاق ل بسام هوي روحي ومالي غيرو بالدنيا” فالفراغ الذي تركه بسام موحش يسكن روح والده المقيدة بأيام الماضي وذكرياته التي جمعته به.
يتذكر الحاج أحمد بتنهيدات شوق تحمل الهم والحنين إلى أحاديث بسام وتفاصيل وجهه وترنيمات صوته، لتبقى أحاسيس القهر والأسى أقوى من أن تترجمها كلمات الحاج أحمد، والذي يعبر عنها بنظرات متأملة وبرعشات يدّ يمسح بها دموعه المتقاطرة على خديه أملة بلقاء وعناق قريب يحضن فيه ابنه المغترب ” بتمنى شوف ابني قبل ماموت ياريت يرجع وضمو”.
يحاول الحاج أحمد الهروب من حالة البؤس التي أصابته بعد سفر بسام، متحدياً ظروف النزوح في بلدة أطمة متنقلاً بين الأصدقاء في زيارات مستمرة محاولاً تنشيط قوى الحياة بداخله رغم التحديات والظروف لعله بذلك يخفف وطأة الحزن والشوق لرؤية ابنه ليخلق إحساساً إيجابياً مهما كانت الظروف ومهما كان الاشتياق صعباً ومؤلماً “بروح بزور قرايبيني وأصدقائي وبتسلى معهون”.
تضحك عيون الحاج أحمد ويفرح قلبه المرهق وتغطي البسمة وجهه الحزين بلقاء طالما تمناه، بعد مضي عدة سنوات ليلتقي ابنه بسام والذي بعودته منحه طيوف السعادة وتحقيق حلمه برؤيته وزرع بذور الأمل في روحه بعد طول انتظار بهذا اللقاء المرتقب.
خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع