غالبا ما يؤكد الشباب المنضمون إلى حزب الله أنهم مدفوعون بالعقيدة والجهاد وأدبيات الحزب للمشاركة في حروبه، لكن مع تواصل خسارة الشباب اللبناني الشيعي في سوريا، تجرأ الكثيرون على الكشف أن المال وحده هو الدافع إلى انضمامهم إلى الحزب.
ويقول الشاب اللبناني عبدالله (27 عاما) “أعيش في إحدى بلدات سهل البقاع اللبناني، وبعد قرار حزب الله تجميع كافة شبان القرى الشيعية، وإخضاعهم لدورات تأهيلية للانضمام إلى المعارك المشتعلة في سوريا، قررت الهروب إلى أوروبا لكن المسألة ليست متاحة لجميع الشباب في المنطقة”.
الحياد غير مقبول
يضيف عبدالله في تصريح لـ”العرب”، “مسألة الهروب ليست سهلة وتحتاج إلى مبلغ مالي لا يستطيع تأمينه الشباب في المناطق الشيعية جنوب لبنان الذين يعانون من الفقر والأوضاع الصعبة، عائلتي استطاعت تأمين مبلغ مالي (8000 آلاف دولار) للمهربين لتأمين وصولي، لكن أصدقائي لم يستطيعوا تأمين هذا المبلغ”.
وتابع عبدالله “التجنيد في حزب الله لا يتم فقط بإغراء الشباب الفقراء بالمال والرواتب الشهرية المستقرة وتعويض العائلات عند الوفاة، بل أيضا بممارسة الضغوط والتضييق عليهم، إذ يملك الحزب شبكة علاقات اقتصادية واسعة مع رجال أعمال وبإمكانهم التأثير في عمل الشباب، إضافة إلى الضغوط النفسية“.
وينوه بأنه “في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله ليس مقبولا أن تكون على الحياد، يجب أن يتماهى الشاب مع عقيدة الحزب وشعاراته ودعايته، وإلا يصبح أشبه بالمنبوذ”.
وبات حزب الله في موقف حرج مع زيادة قتلاه القادمين من سوريا إلى لبنان الذين قُتلوا على أرض ليست أرضهم ومن أجل قضية ليست قضيتهم بسبب ترغيب الحزب لهم إمّا برواتب تُصرف بالدولار، أو باللعب على الوتر الديني والطائفي.
وفي مقابل المروجين للحزب، تصاعدت أصوات الآلاف من الشابات والشبّان الثائرين على الثنائية الشيعية المسيطرة على الطائفة، نتيجة الوضع الاقتصادي المزري الذي وصل إليه لبنان، بالإضافة إلى استنزاف الحزب للمئات من الشبّان في معارك تابعة لدول أخرى ولا تخدم لبنان في شيء.
ويقول الباحث مايكل يونغ من مركز كارنيغي “بالنسبة إلى الشيعة، هم لم يدعموا حزب الله لقضاء سنوات حياتهم في الفقر. وهم لطالما اعتبروا الحزب كتذكرة للنهوض الاجتماعي في الدولة اللبنانية، وسبيلا للخروج من فقرهم. لذا لا يعتبر طلب الصبر وتحمّل الصعوبات منهم بالخطة الجيدة. فبمجرد تدهور النظام، سيتوجّب على حسن نصرالله إطعام مئات الآلاف من أنصاره، وسط احتمالات بأن الغالبية ستلوم حزب الله قريبا على المحنة التي يمرون بها”.
وأضاف “ماذا يستطيع حزب الله أن يقدم في نهاية هذه الأزمة الوطنية المديدة؟ أسلحة؟ مقاومة؟ شعارات؟ ما قيمة ذلك عندما يحاول اللبنانيّون الخروج من الهاوية؟ لا يقدّم حزب الله أي حلول جديّة لمشاكل منطقة تتّسم بالتدهور في الظروف المعيشية، وارتفاع في أعداد الشباب الذين يفتقدون إلى آفاق مستقبل مزدهر، ووجود قيادات فاسدة نهبت وقمعت مجتمعاتهم. يشهد الحزب اليوم مرحلة دراماتيكيّة فيما هو عالق في دوامة من الاتهامات في منطقة تشهد تحوّلا كاملا”.
استهانة بالأرواح
وجاء فايروس كورونا ليكشف أيضا عن ممارسات الحزب المستهينة بأرواح الشباب واللبنانيين عموما، حيث تتكتم بيئة “حزب الله” على الإصابات، حتى لا يتم اتهام إيران بتصدير الفايروس، وبالتالي تعريض صحة أبنائه وأبناء الوطن لخطر الإصابة بالفايروس خاصة مع رفض القادمين عبر الطائرة الموبوءة التي وصلت لبنان في مارس الماضي الالتزام بالحجر المنزلي.
وبدأ الاستنكار يظهر بين صفوف الشباب، إلى متى سيبقى اللبنانيون صامتون عما يقوم به حزب الله وحصد أرواح اللبنانيين؟ وإلى متى ستبقى بيئته الداخلية خاضعة لهيمنته ولحساباته الضيقة، ولمصالحه مع إيران التي لا تأتي للبنان سوى بالأمراض والدم والبؤس الاقتصادي؟ ومتى ستتم محاسبة البلديات بأعضائها ورؤسائها التي لم تتابع الزوَّار العائدين من إيران، وتحديدا أولئك الذين صمتوا على الحالات المشتبه بأن تكون حاملة للفايروس؟
كما أن مسؤولية حزب الله عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان لم تعد خافية على الجيل الجديد من الوسط الشيعي الذي يخضع لمحاولات أدلجة منذ الصغر عبر المدارس ومخيمات الكشافة.
وقال جوناثان سباير، مدير مركز الشرق الأوسط للتحرير والتحليلات، وباحث لدى منتدى الشرق الأوسط، “إن الهيمنة الحالية لحزب الله المدعوم من إيران مع حلفائه على النظام السياسي اللبناني ساهمت كذلك في تدهور الوضع. ومنذ انتخابات مايو 2018 سيطر حزب الله وحلفاؤه علانية على المجلس النيابي والفروع التنفيذية في الحكومة. ويعد حزب الله قوة مهيمنة في كتلة تتكون من 74 مقعدا من أصل 128 مقعدا في البرلمان اللبناني، و19 من 30 حقيبة وزارية. ويسيطر الحزب مباشرة على وزارة الصحة العامة، ويعتقد أن وزير الصحة محمد حسن هو الطبيب السابق للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله”.
وأدت السيطرة المتزايدة لحزب الله ومن خلفه إيران على لبنان إلى تراجع حاد في الاستثمارات الأجنبية خلال العقد الأخير. وكانت السعودية والإمارات من الشركاء الرئيسيين للبنان، لكنهما خفضتا بقوة استثماراتهما فيه خلال السنوات الأخيرة. ولم يعد يجد لبنان الخاضع لسيطرة حزب الله من ينقذه من انهيار اقتصادي وعجز عن سداد الديون، كما فعل حكام الخليج سابقا. كما لم يعد لدى مسؤولي طهران المقيدين بالعقوبات فائض من المال.
وظهر التململ مؤخرا بين الشباب وعائلاتهم الشيعية مع تراجع قدرة الحزب المالية، وتقلص المساعدات التي يدفعها الحزب للعائلات بعد مقتل أبنائها، ما أكد أن العقيدة والمقاومة مجرد شعارات واهية تخفي الأسباب الحقيقية لانضمام الشباب إلى الحزب.
وتوضح الصحافية اللبنانية حنين غدار والباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى “بعد معركة القصير في عام 2013، أدرك حزب الله أن الحرب السورية ستكلف الحزب أكثر مما كان متوقعا.
وسيكون غير قادر على تغطية معظم التعويضات لأسر الشهداء. لذلك بدأ يطلب من الرجال العزاب العزوف عن الزواج وتكوين الأسر وشرع يجند الشبان غير المتزوجين بنسبة أكبر”.
فإذا توفي هؤلاء الشباب، على الحزب أن يدفع فقط بضعة آلاف من الدولارات إلى ذويهم، ولكن عندما يموت الشاب المتزوج أو يصاب بجراح، يتوجب على الحزب رعاية أسرته إلى الأبد، من خلال “مؤسسة الشهيد” و”مؤسسة الجرحى”.
خدمات جنسية
التململ ظهر بين الشباب وعائلاتهم مع تراجع قدرة الحزب المالية، ما أكد أن العقيدة مجرد ذريعة للانضمام إلى الحزب
مع مقتل أكثر من 2000 مقاتل من الحزب في معارك سوريا، ووقوع العديد من الجرحى بعدد أكبر من ذلك بكثير، فإن مؤسسات حزب الله أصبحت غير قادرة ببساطة على تغطية كافة تكاليف عائلات المقتولين والجرحى.
ومع استمرار الحرب، لم يعد الحزب قادرا على منع الشباب من تكوين الأسر، على الرغم من تكاليف الأمر. ولهذا السبب يتم تشجيع الكثيرين على الزواج من أرامل الحرب، أو على الأقل اللجوء إلى زواج المتعة المؤقت إلى أن يحين الوقت المناسب. ونظرا إلى أن المجندين الجدد ما زالوا يعتبرون غرباء، فإن زوجاتهم يحصلن على أدنى منزلة في الحزب، مما يعني أنهن أسوأ حالا من الناحية المالية، وأكثر عرضة لمطالب الرجال من ذوي المقام الرفيع داخل الحزب.
وقد تحدثت العديد من النساء الشابات بصراحة عن تهديد مسؤولين في الحزب لهن بتخفيض الخدمات والمال إن لم يقبلن “الزيارات الخاصة”. وترفض بعض النساء مثل هذه الزيارات، في حين تقبل بها أخريات. “وإذا كان هذا المال هو كل ما يمكن أن يحصلن عليه، فإن زواج المتعة ليس حراما، وبعضهن ليس لهن خيار سوى قبوله”، كما قالت إحداهن.
وزواج المتعة ليس مقبولا فحسب، بل يروج له الحزب بين الشباب على أنه فعل مقدس سيلقى جزاؤه في الجنة. ومن خلال ربط العمل المقدس بهذه الممارسات، تمكن حزب الله من احتواء خسائره وتحقيق نوع من التوازن الهش في هذه الظروف الصعبة.
وقد تمكن الحزب أيضا من تغيير قواعد زواج المتعة من خلال فتاوى، من أجل جعله أكثر سهولة ويسرا. فقد تم إصدار فتوى قبل بضع سنوات تسمح للرجال المتزوجين بزواج المتعة، وفتوى أخرى أكثر حداثة تسمح للمرأة بزواج المتعة من دون الحاجة إلى قضاء مدة العدّة التي تشمل 40 يوما بين الرجل والآخر، وهي الفترة الزمنية المطلوبة عادة للتأكد من أن المرأة ليست حاملا.
ومع أن هذه الفتوى الجديدة ألغت العدة، إلا أنها منعت الإيلاج. بالتالي يمكن للمرأة والرجل أن يفعلا كل ما يحتاجان إليه للحصول على المتعة الجنسية طالما لا يقوم الرجل بعملية الإيلاج. بعد ذلك يمكن للمرأة أن “تتزوج” من رجل آخر على الفور. لكن، في نهاية المطاف تدرك النساء أن الخدمات الجنسية التي يقدمنها هي أكثر أهمية. فلو لم يكن الأمر مرتبطا بالمال الذي يحصلن عليه، لكان عدد قليل منهن، إن لم نقل ولا امرأة منهن، سيشاركن في هذا العمل المقدس.
وبعد تراجع أعداد الشباب المقتنعين بالدعاية الجهادية المقدسة للحزب، اتجه لبناء خلايا جديدة في الخارج، وذكرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أن الميليشيا الشيعية الموالية لإيران بدأت منذ سنوات في البحث عن مجندين جدد من مختلف أنحاء العالم ما أثار اهتمام أجهزة الاستخبارات الغربية التي تراقب عن كثب الميليشيا اللبنانية.
توجه جديد
يسعى الحزب إلى تجنيد نوع جديد من الشباب يحملون جنسيات غير لبنانية أو عربية ويتمتعون بوضعية اجتماعية جيدة ومستقرة من أجل البقاء بعيدا عن أعين الاستخبارات. ووفقا للمعلومات التي نشرتها لوفيغارو، فقد تم تجنيد العشرات من الأفغان والباكستانيين الشيعة من قبل حزب الله.
وجرى التقرب من هؤلاء الشباب خلال موسم الحج أو خلال مزاولتهم للدراسة في الجامعات في لبنان أو إيران، ليتم إنشاء الخلية 901 التابعة لحزب الله والتي تم تدريب عناصرها في مشهد الإيرانية والعاصمة اللبنانية بيروت. وانتقل هؤلاء العناصر إلى الخارج في انتظار صدور أوامر للقيام بعمليات، بحسب الصحيفة الفرنسية.
كما استغل حزب الله وجوده في سوريا لممارسة نشاطاته الدعائية، وعمليات تجنيد في أوساط الشباب الذين يعانون من الحاجة إلى وسائل العيش، كما يرغب معظمهم في تجنب التجنيد لدى قوات النظام التي تسعى لإلحاقهم بالخدمة العسكرية بمقابل مادي ضئيل.
وعمليات التجنيد باستخدام الإغراءات المالية، حققت أهدافها في محافظة دير الزور التي تشهد فيها مسألة الانضمام إلى الميليشيات إقبالا كبيرا، سواء لحزب الله اللبناني أو لميليشيات لواء القدس نظرا لحاجة الناس إلى الرواتب.
نقلا عن صحيفة العرب