ذكريات مبعثرة لا أتمنى عودتها
رأينا العجب في تلك الأيام التي مضت…..
(لن أتمنى عودتها يوما تلك المآسي)
واللحظات القاسية من قصف ورعب ودمار ونزوح بخيام في أرض لم تطأها قدمنا يوما..
أتمنى ..أن أنسى ذلك اليوم عندما سقطت القذيفة على مرأى أبي وأخي الصغير الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره، فقد كانا ذاهبان إلى الجامع، انتثرت الأشلاء في كل المكان، حاول أبي جاهدا ألا يريها لأخي الصغير، فيكفيه ما سمعه، ليضعه في أزمة نفسية ويزرع الرعب في قلبه, وعادوا إلى البيت والحزن يملأ قلب أبي.
-أصبحت المنطقة مهددة يجب أن نخرج لكن إلى أين!!
سكت محتار.. أنذهب إلى المدارس؟ (كانت مكان لجوء الأهالي الذين تقصف مناطقهم في حلب)
هذا المكان الذي لا حرمة له وكثر فيه الاختلاط
-لا لن نذهب سنبقى هنا.
كان قد حسم الأمر وبقينا تحت القصف العنيف, وبعد مرور القليل من الأيام أصبح الأمر أقسى وأشد صعوبة، فالآن لا خيار غير التهجير القسري مع الآلاف من العائلات, بسبب انعدام الحياة هناك لم يعد يوجد أي وسيلة للحياة الإنسانية.
وعندما تهجرنا من بيتنا وأرضنا هاربين من القصف الوحشي، وذاك المشهد الفظيع فقد كان طابورا كبيرا عريضا مختلطا
نساء ورجال وكبار وصغار هاربون من الوحشية, المشي في هذا الطابور وكأنك تمشي بين جدارين ضيقين تكاد تحبس أنفاسك حتى تستطيع العبور والنفاذ منه…
واليوم الذي اعتقلوا أبي فيه فقد كان همه الوحيد أن يضعنا بمكان آمن, ولكن كانت الصدمة هناك عندما التفوا عناصر أمن النظام حوله وسحبوه مننا صرخنا “اتركوه إلى أين تأخذوه”
-اخرسوا وانقلعوا( وتابعوا بعبارات كفرية )
-لا لن نذهب خذونا بدلا منه أو اقتلونا لن نذهب.
نظر أبي إلينا نظرة ثبات
-اذهبوا (الله يرضى عليكم )
هنا عدنا نتابع مسيرنا مكسورين مخيبين والدموع منهمرة.
-هل سنراه ثانية هل سيعود إلينا.
ووضعوه في صندوق السيارة وأنا متيقنة أنه ذهب إلى مجهول عنيف ومميت وربما يعود وربما لا…
وأصبحت الأحلام تراودني بمشاهد تعذيبه وكأن قلبي كان يشعر به, فقد كان تحت التعذيب بالفعل وزاد الانكسار خيبة وبعدها أصبح انهيار.
قد تشتتنا وأصبح كل فرد من العائلة بمكان لا نعرف هل سنعود ونجتمع مرة أخرى أم كانت هذه النهاية …
لكن خبر مفاجأ ملأ قلوبنا فرحا تتصل أمي
-أباكي حي لقد تكلم معي
-اسمعيني صوته أريد صوته
كان هذا بعد معاناة كبيرة لحصوله على رقمنا وكأن معجزة من الله ورحمة ودعوات مستجابات لينقذه الله من سجونهم المميتة بعد تعذيب وجوع ومرض.
بعد محاولة بتسجيل صوته ببرنامج استطاعت أمي إيصال صوته لنا وفي رمضان اتصل يبلغ أمي أن عنده محكمة وأن دفع لهم مبلغ من المال سيخرج.
جمعنا المبلغ وتم إرساله له.
بعد أن قبضوا المبلغ أفرجوا عنه وخرج وهو يكاد لا يصدق كيف حدث هذا.
عندها ترك البلد وأتى إلى نزوحا كان مصيرا لكل سوري مهجر ولكن أرحم من سجونهم ….
ابتهال دعبول/ المركز الصحفي السوري