في سهرات الصيف الجميلة والأصحاب مجتمعون يتسامرون, يجلس طفل هناك بملل, تارة يجوب الأرجاء وتارة يتذمر و”يزعج السهرة”, لينتهي الأمر بإعطائه جهازا لوحيا ليسكت. أو في الأعراس الصاخبة, هنالك دائما طفل بغض النظر عن عمره في زاوية القاعة شديدة الضجيج وسط الهرج والمرج ينتظر أمه, رغم عبارة “جنة الأطفال منازلهم” التي تتوسط الدعوات.
أو مثلا تتجول الأم في الأسواق تجر خلفها طفلها (على أحسن الأحوال, غالبا عدة أطفال) وهذا يبكي متعب وذاك جائع وتلك تتعثر. حتى في النزهات العائلية في الجو الجميل, “أمي أريد الذهاب إلى الحمام” يقول الطفل, وبعد طول جدال وتذمر, وصفعة ربما, تلبي الحرائج على قارعة الطريق نداء الطفل.
كلها مشاهد مألوفة حتى أنها قد ترى طبيعية غالبا, لدى السوريين. التعب, النعس, الجوع والعطش, حاجة الدخول للحمام, كلها احتياجات أساسية طبيعية للطفل, وهي غالبا لا تؤخذ يعين الاعتبار. ناهيك عن الحاجات الأعقد من ذلك بكثير, مثل حاجاته النفسية من الاهتمام وشعوره بالملل.
ينزل آدم (اسم مستعار), القاطن وعائلته في احدى الولايات التركية, ذو الثمان سنوات, إلى البقالة ليشتري الخضروات, في محاولة منه ليكون شاب المنزل ويشارك في مهام المنزل, وأمه تراقبه من الشرفة.
انتقى الطفل خفيف السمرة الخضروات ووضعها في الحقيبة بسرعة, ثم وقف أمام الميزان ليزين له البائع الأغراض ويحدد ثمنها. استغرق انتقاء الخضروات بضع دقائق, بينما استغرق دفع ثمنها عشر دقائق على الأقل والطفل واقف ينتظر. لم يكن هناك دور, وإنما لم ينتبه له البائع أنه واقف حتى, كما تقول والدته.
هذه المشاهد تطرح سؤالا, هل يضع الأهل أطفالهم في حساباتهم كما يجب؟. إنجاب الأطفال لا يفترض أن يكون نتيجة تلقائية مفروغ منها للزواج, من الناحية الاجتماعية أعني. لكن لا تولى للأمر أهمية غالبا. يتزوج اثنان فتنهمر عاجلا أسئلة ” ما مخبية حدا؟” وعبارات أريد حفيدا وما إلى ذلك. فيأتي الطفل ويفرح به العالم كأنه لعبة وما يلبث أن يكبر قليلا ويبدأ بالتعبير أكثر عن رغباته حتى تبدأ رحلة الإهمال والتذمر.
“لا ننكر أن التربية صعبة والأبوين يبذلون الكثير في سبيل تربية الأطفال, لكن الأمر قد يحتاج وعي أكثر بأن الطفل الصغير سيصبح محور حياة الأبوين, المشاوير والأنشطة والخطط يجب أن تخطط بما يتناسب مع احتياجات الطفل. ليس الحل أن تترك كل شيء وتجلس في المنزل لتربي الأولاد, بل خذ بالحسبان مناسبة المكان والأنشطة التي تقوم بها للطفل بكل بساطة. وعلى المجتمع تقبل أن الأبوين يحتاجون لتلبية حاجات أطفالهم مما قد يفرض بعض القيود على الظروف المحيطة للمناسبات والجمعات مثلا. وإن لم يكن الأهل مستعدين لذلك تخطيط الحمل مهم لذلك”. كما تقول المستشارة التربوية زهى (اسم مستعار), والتي عملت في مجال التربية والتعليم ورياض الأطفال لمدة 15 عاما.
وتضيف “أطفالنا ليسوا ممتلكاتنا, ربما من هنا تنبع المشكلة بالأساس. هم أمانة لحين يكبروا ولكنهم أفراد كاملين مستقلين منذ الصغر. أن يرسم كل أب وأم أحلامهم من خلال أطفالهم هو مشكلة, إن كنت تريد في السابق أن تكون كذا فلا يصح أن تجبره على ذلك. تتضح ميول الأطفال بعد عمر السبع أو ثمان سنين وواجب الأهل أن ينمو هذه الميول لا أن يغيروها كما يريدون”.
بيان آغا
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع