“لسى عندي أمل بالله أنه عايش ورح يطلع” بتلك العبارة الممتزجة بالأمل والألم تروي لنا أم بكر قصة ابنها المغيّب في سجون النظام.
أم بكر امرأةٌ خمسينيةٌ نحيلةٌ نقش الدهر على وجهها تلافيف تبوح بما قاسته تلك المرأة في سنوات الثورة العشر.
تجلس أم بكرٍ على أريكةٍ قرب المدفأة، تغيب عنا لحظات وهي شاردةٌ، تستذكر ملامح ابنها المعتقل منذ عشر سنوات، ثم تقول: “كان بكر شبّ ولا كلّ الشباب، طويل القامة والو هيبة، حفظ القرآن كاملاً قبل مابطيق العشرين، كل اللي بيعرفه بيحلف براسو قسم” ثم تعود لصمتها وشرودها والدموع ترسم على خديها ألف رسالة شوق.
بكر ابن ال٢٣ ربيعا، طالب في كلية الشريعة، شابٌ خلوقٌ ملتزمٌ تعوّد ارتياد المساجد والمكوث فيها لحفظ القرآن وتدبّره.
رغم أنه كان هادئا كتوما لا يفصح عن موقفه من الثورة والمظاهرات، إلا أن أمه استطاعت أن تكتشف وقوفه مع الثورة والثوار من خلال عدة مواقف، منها،عودته ذات يومٍ لاهثاً بعد هروبه من الأمن أثناء مظاهرة قامت بالحي.
تقول أم بكر: “بالفترة الأخيرة قبل اعتقاله، شوفو مضطرب ودائما عالسكايب عم يحاكي رفقاته، ويتفقوا على مواعيد غامضة ماكنت أفهمها، لحتى أجى البوم اللي عرفت فيه شو سبب هالاضطراب”
في صباح ثاني أيام عيد الفطر من سنة ٢٠١٢ والذي صادف أول عيدٍ تكون فيه حلب الشرقية محررة من نظام القمع والقتل، الأمر الذي أدى لاشتداد القبضة الأمنية، كان بكر على موعدٍ مع مصيره.
ودّع والدته ذاهباً ليعيد صديقه في المشفى، فقد تعرّض لإصابةٍ برصاص قوات الأمن عندما كانا معاً في مظاهرة طيّارة في أحد أحياء حلب الغربية.
خرج بكر ولم يعد، حلّ المساء تلو المساء.. ولم يعد بكر.. لم يترك أبو بكرٍ مخفراً ولا مشفىً ولا فرع أمن إلا وسأل بهم عن ابنه دون جدوى.
مرت الشهور وقلب أم بكر يعتصر ألماً وشوقاً على ابنها المفقود، لتعلم بعدها أن حاجزًا للأمن استوقفه مع اثنين من رفاقه واعتقلهم جميعاً.
ومنذ ذلك الحين لاتعرف أم بكر عن ابنها أي خبر، سنوات مرت وأموال دُفعت، لم يترك أبو بكر باباً إلا وطرقه علّه يعلم عن ابنه أي خبرٍ، حتى وإن كان خبر وفاته المهم أن تنطفئ براكين الانتظار في صدره وصدر أم بكر.
وهاهي أم بكر حتى هذه اللحظة تعيش على أمل اللقاء بابنها المغيّب، تهيج أشواقها وينتفض قلبها كلما سمعت بخروج معتقلٍ من سجون النظام، لاتترك وسيلة للوصول إليه لتسأله إن كان قد رأى ابنها أو سمع باسمه.
تنهي أم بكر الحديث عن ابنها وقلبها تعتصره الأشواق: “الدنيا مالها قيمة بغياب بكر.. أنا عايشة على أمل اللقاء.. وبدعي ربي يجمعني فيه بالدنيا و إذا كان ميت الله يجمعني فيه بالجنة”
هلا السعيد
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع