لم يكن أبو أحمد يعلم أن وصوله وزوجته وابنه الصغير الذي لم يتجاوز من العمر عشر سنوات إلى الحدود التركية فيه من الصعوبة أكثر مما وجده خلال رحلته من بلدته الصغيرة التي حولتها براميل الغدر الأسدية إلى ركام وأصبح الموت يطارد كل ركن من أركانها.. فقد وصل عدد البراميل المتفجرة التي ألقاها طيران النظام حتى شهر تشرين الثاني من هذا العام 1128 برميلا” كان العدد الأكبر منها من نصيب محافظة دمشق تلتها محافظة حماه ثم حلب وإدلب وبلغ عدد البراميل المتفجرة منذ التدخل الروسي 14152 برميلا” وتشير الدراسة نفسها إلى أن 99 بالمئة من ضحاياها مدنيون.
لهذا قرر أبو أحمد النزوح إلى تركيا حالما “بأن ينعم وعائلته بالأمن والأمان وحتى يصل إلى الحدود التركية اتصل مع أحد المهربين واتفق معه على إيصاله مقابل مبلغ مالي ليس بزهيد على الرغم من أن البعض من أصدقائه حذروه من المخاطر التي يمكن أن يلاقيها عند وصوله الحدود التركية بالإضافة إلى إمكانية قتله من قبل الجندرما التركية حيث تناولت بعض وكالات الأنباء العربية والأجنبية في ذلك اليوم خبرا “يفيد بقتل عناصر من الجندرما 11 شخصاً من عائلة واحدة!! بالإضافة لإمكانية تعرضه لعمليات ابتزاز من المهربين وبأنه سوف يدفع ثمن الرصاصة التي يمكن أن تصيبه أو تصيب أحد أفراد عائلته.. وكان جوابه (يا خاي يلي إلو عمر ما بتقتلو شدة.. وبشار الأسد نهبنا ونهب ثروات بلادنا واشترى سلاح ليدافع عنا ويحارب إسرائيل كوهني قتلنا وجرب كل سلاحو فينا.. يا خاي هون موت.. وهنيك موت اتركني اهرب من القهر).
اتفق أبو أحمد مع أحد المهربين لإيصاله وعائلته إلى الحدود التركية والرحلة التي كانت تستغرق ساعات في الأحوال العادية استغرقت يوماً كاملا حتى إذا وصل أحد المعابر بحث عن بيت يؤويه وعائلته ريثما يتفق مع أحد المهربين ليساعده وعائلته باجتياز الحدود فبعض المهربين عرض عليه أن يعطيه 2000 دولار عنه وعن كل فرد من أفراد العائلة ضامنا “له أن يجتاز الحدود مباشرةً ومنهم من عرض عليه اجتياز الحدود مقابل 1800 دولار ومنهم من عرض عليه قطع الحدود مقابل 1000دولار وجد أبو أحمد نفسه أمام مافيا من المهربين وﻷنه لا يملك نقودا” كافية فقد اختار أخفض العروض.. وبعد أن اتفق مع المهرب على آلية اجتياز الحدود وطلب منه الانتظار فهناك مجموعة تحاول اجتياز الحدود، فإن وصلت الى الجانب التركي فإن الأمور ميسرة، وسوف يكون هو وعائلته في الدفعة الثانية ولم يكد المهرب يتم كلامه حتى جاءهم الخبر بأن الجندرما التركية ألقت القبض على هذه المجموعة وسوف تحتجزهم فترة وتعيدهم إلى الحدود، لكن المهرب أراد أن يطمئنه فأخبره بأن هؤلاء سوف يعاودون الكرة مرة أخرى بل وربما مرات..
وهنا وقع أبو أحمد أمام خيارين أحلاهما مرّ هل يعود إلى بلدته ويُقضى عليه على يد النظام وجبروته أم ينتظر مع قائمة المنتظرين الآملين باجتياز الحدود بسلام إن لم تطلهم رصاصة الجندرما التركية، فتقضي عليهم وعلى أحلامهم بل على الأمان الذي خاطروا من أجله؟!
ما يزال أبو أحمد في قائمة المنتظرين يرتقب الفرصة المناسبة.. فهل هو انتظار من أجل الحياة أم انتظار من أجل الموت؟!
تغريد صبحي – المركز الصحفي السوري