بعد هجمات 13 تشرين الثاني/نوفمبر لم يكن مستغرباً بالتأكيد أن تنحدر وسائل إعلام غربية وعربية إلى أفكار سطحية لتفسّر الحدث الخطير، وللمطالبة بالانتقام الفوريّ من «الإسلاميين»، وهو مصطلح قابل للتأويل المتعسّف ليعني، لدى كثير من الجهات السياسية العالمية والإقليمية والمحلية المنخرطة في حروب المنطقة العربية، أو في معارك اليمين العنصري واليسار اللفظي في الغرب، كل المسلمين، وليس جماعة بعينها.
ينطبق الأمر، بداية، على الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند نفسه، وهو الرمز الأكبر للسلطات التنفيذية لبلاده، الذي أعلن وجود «حرب» على فرنسا من قبل «الإسلاميين».
تبتدئ الإشكالية من اصطلاح «الإسلاميين» هذا الذي تواطأت قوى كبرى على استخدامه لوصف ظاهرة شديدة التعقيد.
يربط هذا الاصطلاح ظاهرة سياسية بدين، وهو أمر لم يستخدم في توصيف أي دولة أو جهة أو قوة سياسية تنتمي إلى أديان أخرى غير الإسلام.
لا يمكن طبعاً وصف الأعمال الإجرامية التي تقوم بها منظمات مثل «تدفيع الثمن» أو المستوطنين المتعصبين الذين يحرقون الأطفال بـ«الإرهاب اليهودي» لأنك ستقع (إضافة إلى الخطأ المنهجي في عزو عمل إجرامي سياسي إلى دين) تحت طائلة قوانين دولية صارمة تعاقب «اللاساميّة».
وهو لا يصحّ أيضاً في وصف إرهاب يقوم به مسيحيّون، كما فعل النرويجي أندرس بهرنغ بريفيك الذي عرّف عن نفسه بأنه «مسيحيّ محافظ معاد للإسلام»، والذي قتل يوم 22 تموز/يوليو 2011 ما لا يقلّ عن 85 من الأطفال والمراهقين وحكم بالسجن 21 عاماً (وبالمناسبة فإن هذا المجرم الخطير كتب في وثيقته الأساسية لتبرير جريمته: «حان الوقت لوقف الدعم الغبي للفلسطينيين والشروع بدعم أبناء عمومتنا الحضاريين في إسرائيل»).
بتوصيفها إرهاب جماعة ما بأنه «إسلاميّ» تفتح الدول والقوى العالمية ووسائل الإعلام دائرة التجريم على أقصاها بحيث يتحمّل مسؤوليته كل المسلمين الذين يربو عددهم على المليار ونصف المليار نسمة، يعيش مئات الملايين منهم في دول ديمقراطية ومئات ملايين أخرى أخرى في دول دكتاتورية، وبعضها مثال للنجاح والاستقرار والازدهار التنموي، وأخرى تنوء تحت ثقل الأزمات والكوارث.
وهو ما يدفع المسلمين عموماً إلى خيارات قصوى، فيقوم بعضهم بالاعتذار عن أفعال هذه الجماعات، رغم أنهم غير مسؤولين عنها، فينقلبون، بدافع من هذا الاعتذار نفسه، إلى مشاركين فيها، فيما يقوم البعض الآخر، تحت وطأة الهجوم الإعلامي الشامل، بتبرير الإجرام كنوع من الآلية النفسية الدفاعية، هي النسخة المقابلة لموقف الاعتذار عن جرم لم يفعلوه لكن الاتهام طالهم على أي حال.
من المثير للسخرية أن التواطؤ العالمي على توصيف ظاهرة العنف الإرهابيّ المذكور بـ«الإسلاميّ» يتفق مع ادعاء تنظيمات «الدولة الإسلامية» و«القاعدة» وشقيقاتهما الملكيّة الحصرية للإسلام، وتأويله بهذه الطريقة الوحشية وحدها، وهو الدين الذي انتشر بعد ظهوره في بقاع جغرافية هائلة من دون أي عنف.
اصطلاح «الإرهاب الإسلامي» بهذا المعنى هو اتفاق شراكة استراتيجية بين عقلية استشراقية تبناها «العالم»، وأدت إلى تمييز عنصري وجينيّ يخصّ المسلمين والإسلام بالعنف والإرهاب والتطرّف، وعقلية أخرى لتنظيمات مثل «الدولة الإسلامية» و»القاعدة»، قرّرت، هي أيضاً، في ممارساتها، أن الإسلام هو دين كراهية وعنف وتطرّف.
«الدولة الإسلامية»، بهذا المعنى، هي نتاج عولميّ، يشابه في أفكاره، أفكار اليمين المتطرّف الغربي، مثل «كوكلاكس كلان» الأمريكية، و«بيغيدا» الأوروبية و»تدفيع الثمن» الإسرائيلية، وهي منظمات قد تقوم، لو تعرّضت الدول الغربية لضغوط اقتصادية أو سياسية هائلة، بما قامت به «الدولة الإسلامية».
إن أعمال بعض هذه المنظمات الإجرامية حالياً تقتصر على إحراق ملاجئ ومخيمات لاجئين، أو قتلهم أو منعهم من دخول بلدان أوروبا أو أمريكا أو تدمير كنائس ومساجد، وينطبق الأمر على أفعال «تدفيع الثمن» وغيرها من الحركات الإرهابية في إسرائيل قد نجد بعضها ممثلاً في «الكنيست»، لكن بناها الفكريّة لا تختلف في العمق عن بنى «الدولة الإسلامية»، وهي تقوم بدورها، بتأويلاتها المنحرفة لليهودية أو للمسيحية، وتوظفها في تبرير الإجرام والإرهاب والقتل.
النتائج المشؤومة لمصطلح «الإرهاب الإسلامي»
رأي القدس