الهواء الأصفر” أو ذلك الهواء القاتل الذي انتشر فجأة في أنحاء من مدينة خان شيخون السورية الواقعة في ريف إدلب الجنوبي بتاريخ 4-4-2017 حاملاً معه موتاً صامتاً وخانقاً لم يكن لها أي رائحة, والذي خلف العشرات من الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال, وامتد تأثيره إلى الأشخاص الذين تلامسوا مع الموتى الذين قتلتهم هذه المادة السامة التي لوثت هواء المدينة, مما يؤكد أنها غاز السارين القاتل, وهو مركب كيميائي صنعه الألمان النازيون يعد أشد فتكاً ب26 مرة من السيانيد.
وقالت منظمة “أطباء بلا حدود”, إن الأطباء التابعين للمنظمة عالجوا ضحايا يعانون أعراض اتساع حدقة العين, وتشنج العضلات, والتغوط اللاإرادي, كانوا قد تعرضوا لمواد مسممة للأعصاب مثل السارين.
وقالت “منظمة الصحة العالمية” كان من الواضح أن ضحايا خان شيخون تعرضوا لمواد تؤثر في الأعصاب, وتشير جميع الأعراض إلى مادة واحدة هي غاز السارين, وهو السلاح الكيماوي الذي تم اكتشافه عن طريق المصادفة عام 1938م من قبل علماء ألمان كانوا يعملون في صناعة المبيدات الحشرية.
والمضحك المبكي هو صدمة الشخص المسؤول عن المشروع آنذاك من كون مركبه الجديد “غاز السارين” كان قاتلاً للبشر والحيوانات بصورة غير معقولة, وهذا لن يسمح لهم استخدام الغاز على النباتات التي تعاني من تسلط الحشرات عليها, إلا أن الزعيم النازي أدولف هتلر كان يفكر جدياً بتسخير هذا الغاز القاتل في حروبه ضد أعدائه, حيث أمر بتحويل الدراسة الكاملة لهذا الإكتشاف إلى هيئة صنع الأسلحة في البلاد, ولم يخف الزعيم النازي سعادته وسروره بامتلاكه لهذا النوع من السلاح الفتاك, وأطلق عليه اسم “السارين” تيمناً بأسماء العلماء الذين اكتشفوه.
يتعرض الأشخاص المستنشقون لغاز السارين بشكل مباشر للموت السريع خلال بضع دقائق, حيث تقدر أطول مدة زمنية لبقاء الإنسان على قيد الحياة بعد استنشاقه لغاز السارين بعشر دقائق فقط, في حين لا ينجو الأشخاص الملامسين للمصابين بالسارين من أخطاره في المستقبل, لانهم سيعيشون بقية حياتهم وهم في معاناة مع أضرار على مستوى الأعصاب والدماغ.
وكان أكثر من 90 ألف جندي من جنود الحلفاء قد قتلوا نتيجة استنشاقهم “الضباب الأخضر المصفر” خلال الحرب العالمية الثانية, حسب ما قال أحد الناجين الذي أضاف قائلاً:
“العديد سقطوا وماتوا في مكانهم, في حين أن آخرين أخذوا يلهثون ويتعثرون في خطواتهم, وكانت وجوههم متشنجة, وصرخ بعضهم صرخات أجشة من الألم, وهرب بعضهم إلى القرى والمزارع المجاورة, حاملين الرعب لمن تبقى من المدنيين في تلك المناطق”.
والجدير بالذكر أن تأثير غاز السارين على الحياة بشكل عام يفوق تأثير الغازين القاتلين المعروفين بالكلور والخردل, فقد كان هذا الغاز قوياً جداً إلى درجة أنه في عام 1940م بدأت إدارة التسليح في الجيش الألماني “وافنمات” تشييد منشآت صناعة سرية, اكتظت بالعديد من العلماء الذين يرتدون الملابس الواقية, واستدعى العالم “شريدر” ليترأس المشروع.
وقامت ألمانيا النازية بقيادة “أدولف هتلر” بإنتاج 10 أطنان من غاز السارين, وهو ما يكفي لقتل الملايين من الأشخاص, لكن هتلر لم يستخدمه بعد أن حذره خبراءه من أن الغرب, خصوصاً بريطانيا وأمريكا, لديه الكثير من غاز “الخردل”, ويمكن أن يستخدموه انتقاماً لاستخدام السارين من قبل الألمان..
ومن أشهر الحالات التي تم استخدام غاز السارين فيها, قيام شخص ينتمي إلى طائفة يابانية باستخدام هذا الغاز عام 1995 على محطة مترو في طوكيو, ونجم عن ذلك مقتل 12 شخصاً وإصابة نحو 5000 آخرين, ويعد هذا الهجوم هو الأكثر فتكاً على الأراضي اليابانية منذ الحرب العالمية الثانية.
واستخدم العراق أيضاً غاز السارين ضد الأكراد عام 1988م في بلدة “حلبجة”, ونجم عن ذلك مقتل 5000 شخص في الحال وإصابة الكثيرين.
ولمنع استخدام غاز السارين في الحروب الحديثة, عمدت الامم المتحدة إلى حظره عام 1997م بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية, لكن لم يتم تدمير كل المخزونات من هذا السلاح.
وبعد ان استخدم النظام السوري الاسلحة الكيماوية في هجومه الشهير ضد المدنيين في الغوطة الشرقية, أجبرته الولايات المتحدة الامريكية والدول الأوروبية على التعهد بتسليم مخزونه الكبير من السلاح الكيماوي لمنظمة “حظر ىاستخدام السلاح الكيماوي” إلا ان هجومه الأخير أكد للعالم أجمع أن النظام السوري لديه مخزون آخر لم يسلمه حتى الآن..
“الهواء القاتل” الذي انهى حياة العشرات من المدنيين في خان شيخون هو غاز اخترعه النازيون واستخدمته العقول “النازية” الإجرامية, فعلى من سيلقى السوريون باللوم على هتلر أم على الأسد؟!
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.