بعد عدة سنوات على نزوحهم من بلادهم، ما زال النازحون السوريون التركمان يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم، في ظل “واقع مأساوي” يعانون منه في مخيمات اللجوء، في شرقي لبنان، حيث تفتقد هذه الأماكن لأدنى مقومات الحياة الكريمة.
أوضاع معيشية صعبة، يعيشها هؤلاء النازحون في مخيمات بلدة دورس، شرق لبنان، لم تمنع بسمتهم الطيبة التي يستقبلون ضيوفهم بها، حيث تحاول تلك البسمات أن تغطي آلام القلب ومشاعر الحزن على وطن دُمر وبيوت هدمت، وأقارب قتلوا ظلما وعدوانا.
ما أن يدخل ضيفهم إلى المخيم، حتى يلاقيه الرجال والأطفال والنساء والشيوخ بلباسهم التقليدي الجميل، وبفنجان القهوة وما تيسر من ضيافة الكرماء، وبنظرات كأنها تقول “حالنا صعب، وآلامنا كبيرة… إلا أنكم ضيوفنا وهذا ما نستطيع أن نقدمه لكم”.
زنوبة عرفات، التي تلبس الزي التركماني التراثي، معتزة به، تشتكي الواقع المؤلم الذي تعيش فيه وأسرتها وجيرانها النازحين من بني جلدتها، إلا أن بسمة الأمل لا تفارق وجهها الذي خطت عليه سنين العمر الطويل آثارها بالتجاعيد التي تحكي مسيرة هذه الحياة.
عرفات، التي تعيش في أحد المخيمات في بلدة دورس التي تبعد 81 كلم شرق بيروت، تحدثت لـ”الأناضول” باللغتين العربية والتركية، اللتين تتقنهما، مشيرة إلى أن الوضع في المخيم الذي تسكنه منذ حوالي السنتين “صعب جدا”.
وأضافت “الله يعيننا، فلا شيء عندنا، والحال صعب وسيء”، لافتة الى أن المساعدات التي تأتيهم “قليلة، ولا تكفي حتى الأطفال”.
وناشدت عرفات “الجميع تقديم ما يستطيعون تقديمه من مساعدات ومعونات غذائية ومواد حارقة، مع حلول فصل الشتاء والبرد القارس في بلدة دورس”.
وختمت حديثها، والغصة في قلبها بالقول “الحمد لله على كل حال، الحمد لله دائما”.
ولم تنس عرفات، التي تجاوزت سن الـ75 عاماً أن تطلب الزي التركماني التراثي “فما عندي منه بدأ يبلى، ونحن لا نعرف من أين نحصل على المزيد منه”.
والزي التركماني التراثي مؤلف بالنسبة للنساء من ملابس طويلة وفضفاضة تكون مزخرفة للشابات وبلون واحد للمسنات مع زنار أبيض أو أسود وعباءة سوداء وغطاء يوضع على الرأس عند خروجها إلى خارج المنزل.
أما فاطمة صادق، فتسكن مع زوجها وأطفالها التسعة واثنين من أبناء أخيها، الذي قتل في سوريا، في خيمة صغيرة تفتقد لمقومات الحياة والتدفئة في ظل الجو البارد.
صادق، ناشدت في حديثها لـ”الأناضول” العمل من أجل العودة الى الوطن بسلام “وهذا أفضل شيء بالنسبة لنا”، على حد قولها، مشيرة الى أن التركمان النازحين في المنطقة “يرغبون بالذهب الى عائلاتهم الموجودة حاليا في تركيا، بدل هذه الحياة الصعبة هنا… وتركيا هي بلدنا الثاني”.
وقالت “منذ أكثر من 3 سنوات لم نر أهالينا في تركيا، وهذا واقع مؤلم جدا”.
من جانبه، قال قاسم عرفات إن غالبية التركمان النازحين في بلدة دورس “من منطقة القصير في حمص السورية(وسط)”، مشيرا إلى “مأساة حقيقية نعيشها هنا… فخيمنا لا تقينا برد الشتاء ولا حر الصيف”.
واشتكى عرفات “قلة المازوت الذي نستخدمه للتدفئة في هذا البرد القارس، عدا عن عدم توفر البطانيات والحرمات”، لافتا الى أن هذا ما يؤثر “سلبا” على الأطفال ويسبب لهم الأمراض.
وأشار الى أنه يعاني “معاناة خاصة، فزوجتي عاجزة عن الحركة بسبب المرض، وابنتي الصغيرة تعاني من مرض التلاسيميا في الدم”.
وأضاف عرفات “نحن نطلب المساعدة من تركيا، وتركمان تركيا، ومن كل قادر على تقديم ما يستطيع”، لافتا الى “تمسكنا بجذورنا وبحبنا لتركيا التي نسعى لمتابعة كل ما يخصها ولو بالمسلسلات، وعلى رأسها مسلسل وادي الذئاب الشهير”.
من جانب آخر، شرح علي غورلي، عضو مجلس بلدية دورس، والناشط الاجتماعي لـ”الأناضول” واقع النازحين السوريين التركمان في البلدة، موضحا أن دورس تضم حاليا حوالي 250 عائلة تركمانية أتت من حمص السورية.
وأشار غورلي الى أن أكثر من 750 عائلة تركمانية أخرى، موزعة على بقية البلدات في منطقة بعلبك(شرق)، مؤكدا أن وضعهم “مأساوي جدا”.
ولفت إلى أن معظم هذه العائلات “تعيش في خيم بلاستيكية، والقليل منها تسكن عند أقاربها في منازل”.
وقال غورلي أن معاناة هؤلاء النازحين التركمان لا تختلف عن معاناة النازحين السوريين بشكل عام “خاصة في فصل الشتاء، وتعرض المخيمات للأمطار والثلوج والسيول ما يسبب مآسٍ وآلام إضافية”، لافتا الى أن “الحاجة في هذا الوقت من العام لأدوات ومواد التدفئة تتزايد بشكل كبير”.
وحذّر من تفاقم الوضع المأساوي “بسبب بدء تناقص المساعدات التي تقدمها المنظمات والمؤسسات الإغاثية والدولية”.
وتمنى غورلي من الدولة التركية، “دولة التركمان الثانية”، كما وصفها، مزيدا من الرعاية للتركمان، المتعلقين جدا بتركيا”، مشددا على “أهمية أن تستضيف تركيا هؤلاء النازحين، الذين يحنون لجذورهم ليل نهار… ونحن على يقين أنهم سيلاقون هناك حياة ومعاملة كريمتين”.
والتركمان هم أحد الشعوب التركية؛ ويعيشون في تركيا، والعراق، وتركمانستان، وشمال شرقي إيران، وشمال غربي أفغانستان، وشمالي القوقاز، ويتكلمون اللغة التركمانية أحد اللغات التركية.
أما تركمان سوريا فيتوزعون على مختلف القرى والمدن وتجمعاتهم الأكبر في محافظات دمشق(جنوب) وحلب(شمال) واللاذقية وحمص