” يا أمي خدي بنت أختي سمية للدكتور. ضمور دماغها قالقني، وقولي لمرتي تشتري مسدس لعبة لحمودي وعبودي وباقي ولاد أخوتي ترا ما غضروا يشتروا بالعيد، لا تنسي أختي فاطمة وأختي أمينة بتشتريلهم كنادر ترا صاروا صبايا مو حلوة يضلوا بالكلاش”.
بهذه الرسالة الدافئة، أذاب حازمُ كبد والدته، قبل أن يموت في تفجير بيروت.
حازم ذو الأربع وثلاثين ربيعاً، ولد في جبل الزاوية، والده شهيدٌ في قصف للنظام لمعرة النعمان، وأخوه الأكبر شهيد في معارك إدلب، وأخوه الصغير، أيضاً شهيدٌ في معارك وادي الضيف، فالجراح لا تزال طرية.
دخل جيش النظام بلدته، فلجأوا إلى مخيم دير حسان. لم يرحمهم الشتاء في المخيم.
لم يستطع تحمل الحاجة والمعانة، زوجته وأطفاله وأختيه، وزوجات أخويه الشهيدين
وأولادهما يحتاجون للمال والكفاية.
لجأ إلى تركيا ثم عبر البحر إلى بيروت، حيث الموت كان ينتظره.
كغيره من الشباب اللاجئ، لم تكن فرص عمله في غربته مريحة أو مناسبة.
عمل عتالاً في الميناء نهاراً، ويمسح السيارات مساء، لتكون أرض الميناء
فراشه الوثير ليلا.
في كل شهر، يرسل راتبه البسيط إلى العائلة التي تنتظره بفارغ الصبر، ليبقي لنفسه جزءاً بسيطاً يقتات عليه.
تأخر الراتب في شهره الأخير، ربما كان علامة على تأخر لقاءه بعائلته في الدنيا.
” أمي اليوم رح أبعتلكم 150 دولار بتعطي عيدية لكل الأولاد وبتجيبي لحمة لأنو ما اجاكم هاد العيد غير حصة وحدة وبتعمليها محشي مدعوم”. بهذه الرسالة، التي كان أرسلها من جوال أحد رفاقه في الميناء إلى أمه، تنبعث منها مشاعر الفرح للعائلة المنتظرة بفارغ الصبر ذاك الراتب، لتكمل عيدها به.
لكن الراتب تأخر، لأن الميناء تأخر في محاسبة العمال، إلا أن الميناء تعجل في قبض روح حازم، وبقي المال في جيبه، ربما تمنى حازم لو تأخر الموت قليلا، حتى يرسل المال، ثم لا مشكلة بعدها إن مات.
لم يستطع قلب الأم المنهك تحمل خبر التفجير، فقواها خارت، منذ فترة زوجها وولديها، واليوم ابنها ومعيلها الأخير، لتلحق بزوجها وأولادها الثلاثة، وتموت.
سيدرا الكنو، ذات الستة عشر ربيعاً، هاجرت مع أسرتها منذ 8 سنوات من حلب.
عمل والدها حارس لأحد أبنية بيروت الكبيرة, لم يسلم من التفجير، أصيب بكسر في جمجمته, وأصيبت زوجته في ظهرها, ونقلت هدى، ذات الأحد عشر ربيعاً، إلى مشفى شتورة، ولاتزال حالتها حرجة, أما سيدرا، فارقت الحياة، وانضمت لقوافل الشهداء السوريين في تفجير بيروت.
استقل أخوها محمود سيارة متجها للميناء، يبحث عن عائلته، فهو في مدينة ثانية يعمل في الرسم الهندسي, لقي والده وأخته الصغيرة مصابان، بينما عثر على سيدرا ميتة، لتتخلص من متاعب اللجوء والظلم، وتستريح.
“أنا وأهلي أنفسنا عزيزة علينا.. رفضت في السابق أن أتسجل كلاجئ لكي لا أشعر أني أبحث عن إحسان.. لم أكن أقبل أن آخذ ليرة من أحد كنت أعمل, أما الآن فأنا أستجدي من أجل علاج أهلي, وعليّ مصاريف السيارة التي استأجرتها لأتمكن من تفقّد أهلي، فكل واحد في مستشفى وأجرة البيت, وأدوية أهلي أنا فعلا بحاجة مساعدة الآن”. ، يقول محمود.
أعلن يوم 10 أغسطس/آب أن أكثر من 200 سوري قتلوا في التفجير.
وبعد أيام قليلة على الانفجار، بدأت تنتشر على صفحات التواصل الاجتماعي قائمة بأسماء قيل إنها للسوريين الذين قضوا في الانفجار، بينهم أطفال. لكن ليس هناك مصدر موثوق للقائمة الكاملة.
يقول مزيد الكريدي، المحامي السوري المتطوع مع الفريق القانوني لجمعية “بسمة وزيتونة” في لبنان، إن هذا الانفجار “أكمل مأساة السوريين”.
محمد الإسماعيل /المركز الصحفي السوري