تحدث التاريخ عن ثورات حصلت منذ عشرات ومئات السنين وقد غيرت هذه الثورات وجه التاريخ ولعل أبرزها الثورة الفرنسية، والأمريكية، والثورة البلشفية بروسيا ، والحرب الأهلية الإنجليزية، وقد مرت هذه الثورات بعدة مراحل بين المد والجذر حتى وصلت في النهاية إلى هدفها المنشود بتحقيق تطلعات الشعوب.
ولعل ثورتنا السورية لاتقل أهمية عن تلك الثورات بل لا نبالغ إذا قلنا أنها من أبرز الثورات في العصرين القديم والحديث ، لما لها من خصوصياتها الداخلية والإقليمية ، والدولية؛ حيث وقف الشعب السوري الأعزل وحيدا أمام أعتى القوى وأكثرها إمعانا في القتل والإجرام والمتمثل بدول ( الأباطرة والأكاسرة والقياصرة ) الحاقدة على المسلمين عامة وعلى العرب خاصة ، كما أن عامل الزمن والتجاذبات الإقليمية والدولية أخذت أقصى مداها في التعامل مع هذه الثورة اليتيمة.
وبما أن النظام قد استجلب المرتزقة من كل أصقاع الأرض لقتل الشعب بعد أن انهار جيشه، ثم جاء بجيوش أجنبية كالروس والايرانيين وسلم البلاد وأهلها ومقدراتها لهاتين القوتين ، فقد أصبحت سوريا بلدا محتلا في نظر كل القوانين والأعراف الدولية ، مما يجب مقاومة هذا الاحتلال بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح.
ومرت الثورة في سوريا بعدة مراحل ، وقد وصلت الآن إلى مرحلة التبلور والنضوج السياسي الحقيقي ، المتزامن مع تمرس الثوار في فنون القتال ، والتخطيط العسكري ، وفي فك الحصار عن حلب خير دليل.
ولعل من أهم المراحل التي أصبحت أمر وجوبي ومن ضرورات استمرار الزخم القتالي ، والحفاظ على مكتسبات العمل الثوري هو الانتقال إلى مرحلة المقاومة الوطنية ، حيث تتضافر الجهود لدى كافة أبناء المجتمع المدني والعسكري بشكليه الأفقي والعمودي لمقاومة الاحتلال الذي أصبح أمرا واقعا فرضه النظام على المجتمع السوري برمته، وإن ضرورة التحول إلى مرحلة المقاومة والمقاومة الوطنية له مسبباته ودوافعه :
1 – ان مشروع المقاومة الوطنية السورية هو خير مظلة ينضوي تحتها جميع الفصائل العسكرية المسلحة بكل مرجعياتها الايديولوجية الإسلامية ، والعلمانية المتنوعة ، هذا من ناحية ، وجميع أطياف المجتمع المدني ومنظماته المدنية من ناحية أخرى .
2 – أن مشروع المقاومة الوطنية يسحب البساط من تحت أقدام جميع أعداء الثورة في الداخل والخارج ممن يدعون تطرف هذا الفصيل العسكري أو ذاك ، مما يجبرهم على التعامل بشكل إيجابي مع هذا الكيان الذي يمثل غالبية الشعب السوري.
3 – انهيار جيش النظام جعله يستعين بقوى ودول أجنبية وتسليمه البلاد لهذه القوى والدول حيث جعل مقدراتها تحت الاحتلال كأمر واقع بكل ماتعنيه الكلمة من معنى مما يجعل مقاومة هذا الاحتلال أمر وجوبي .
4 – إن عدم الانسجام في التوجه والفكر الأيديولوجي لدى الفصائل الثورية المسلحة على الأرض سوف ينصهر في بوتقة مشروع المقاومة الوطنية وبالتالي يحقق شكل من أشكال التوحد بين هذه الفصائل.
5 – تستطيع المقاومة الوطنية بجناحيها المدني والمسلح أن تبلور مشروعها السياسي وبالتالي الاتفاق والوصول لمعارضة سياسية حقيقية تكون ممثلا شرعيا حقيقيا للثورة والثوار ، وغير مرتبطة بأجندة خارجية لاتمثل تطلعات الشعب السوري .
6 – أن البيئة التي برزت من خلالها بعض الأفكار الأيديولوجية والسياسية خلال فترة الثورة أصبحت في مرحلة الوعي والنضوج الثوري والسياسي والعسكري نتيجة ظروف الحرب والاحتلال من جهة ، والتجاذبات الدولية والإقليمية من جهة أخرى .
7 – يفتقد المجتمع السوري بكل مكوناته لما يسمى بالمعارضة السياسية الحقيقية كمكون اجتماعي وسياسي، حيث عمل النظام الطائفي الإقصائي ولعدة عقود مضت على عدم وجود مقومات نشوء معارضة حقيقية في الداخل السوري، وقد حاربها ونكل بها كما هو حال جماعة الإخوان المسلمين.
8- إن ما سمي بمعارضة الخارج المتمثل بالمجلس الوطني أو الائتلاف الوطني لم يستطع مواكبة المد الثوري لعدم وجود ارتباط حقيقي بالداخل السوري إذ أن معظم أعظاء هذه المعارضة كانوا خارج البلاد قبل انطلاق الثورة بعدة عقود لأسبابهم الخاصة.
11 – لقد ابتليت الثورة السورية منذ انطلاقتها الأولى بما يسمى بالمعارضة الخارجية كجسم طفيلي يعتاش على ماتحققه الثورة من إنجازات على الأرض في الداخل السوري ، وقد عمد المجتمع الدولي المتعاطف مع النظام على تميع الثورة من خلال هذه المعارضة ، علاوة على ارتباط هذه المعارضة باجندات خارجية لاتخدم الثورة ولاتطلعات الشعب السوري .
كل هذه الأسباب وغيرها جعلت مشروع المقاومة الوطنية السورية أمر وجوبي يفرضه واقع حقيقي ليس له بديل .
المركز الصحفي السوري- محمد شيخ ابراهيم