وحدهم من يصارع الموت بصمتٍ، و بعيونٍ ذابلة يلتمسون الأمل من شقوق ضيقة، خلف قضبان السجون تقبع قصص العذاب بشتى أنواعها، مهزومةٌ مرتجفة بصور يندى لها جبين الانسانية؛ فلا يغيب المشهد الدموي عن الساحة السورية منذ انطلاق الثورة السورية في آذار عام 2011, لأنّ النظام السوري اتبع كل الأساليب الدموية لإنهاء الحراك الشعبي و قمع المظاهرات، حيث قام بنشر الحواجز العسكرية في كافة المدن السورية وشدد قبضته الأمنية لإثارة الرعب وإرغام الشعب السوري على التراجع عن حقه في الحرية والعيش بكرامة، ومما صعَّد وتيرة الاحتجاجات حملة الاعتقالات التي انتهجها النظام فالحواجز التي نشرها أخذت على عاتقها التفتيش والاعتقال بشكل عشوائي للمدنيين سواء ممن شاركوا في المظاهرات أم لا, ناهيك عن الاعتقال بحجج وذرائع متعددة كالإرهاب وتمويل الإرهابيين والانتماء للتنظيمات الإرهابية من الرجال و النساء أو الأطفال على حد سواء, ليقتادوهم لمصيرٍ مجهول لا أحد يعلمه إلا النظام وأعوانه.
كيف تعامل نظام أسد مع الأطفال؟
لم تنجُ الطفولة من قبضة النظام الأمنية وما ذكرى حمزة الخطيب بغائبة عن أذهان السوريين الذي اعتقله النظام وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره حتى قضى تحت التعذيب بعد أسبوع من اعتقاله ويُسلم كجثةٍ هامدة مشوّهة لذويه في ريف درعا مهد الثورة. فصور وحشية النظام وأساليبه التعسفية زادت الشعب السوري إصراراً على الحرية رغم حملة الاعتقالات التي طالت جميع المناطق والمدن السورية ما دعا لانشقاق معظم المنضمين لصفوفه من ضباط وعسكريين وغيرهم، الأمر الذي أثار موجة اعتقالات و غضبٍ أكبر من قِبل النظام ليقوم بحملة اعتقالات طالت المنشقين وحتى ذويهم بغية ثنيهم عن الانشقاق والعودة إلى النظام.
وعلى نفس السياق امتلأت معظم السجون السورية بعشرات الآلاف من السوريين حتى بلغ عددهم قرابة م100ألف بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان, موزعين في عدة سجون كسجن عدرا وفرع فلسطين وصيدنايا وغيرها, فهذه السجون معروفة بأنها تستخدم أقسى أنواع التعذيب وبانتهاكها لحقوق الإنسان وإهانة المعتقلين.
هذا وقد شاهدت منظمة العفو الدولية صوراً وفيديوهات لنحو 45 حالة _التقطها أقرباء أو نشطاء وطلبت من اختصاصيين في الطب الشرعي من الخبراء المستقلين مراجعة عدد من تلك الحالات, حيث تبيّنت الإصابات الظاهرة على جثث العديد من الضحايا وأنهم ربما تعرضوا للضرب المبرِّح وغيره من ضروب إساءة المعاملة.
وبحسب نيويورك تايمز فإن مئات الفتيات والنساء تعرضنَ للاغتصاب والاعتداء الجنسي, داخل ما لا يقل عن عشرين فرع تابع لأجهزة المخابرات السورية، فمريم خليف التي تحدثت لنيويورك تايمز أنها اعتقِلت وهي تبلغ من العمر 32 عاماً وهي أم لخمسة أطفال في أيلول عام 2012 واقتيدت إلى مبنى أمن الدولة في الفرع 320، حيث تعرضت للاغتصاب عدة مرات بتهمة تقديم المساعدة الطبية للمصابين, كما اتهمها النظام بالأعمال الإرهابية في الفترة التي كان فيها العقيد “سليمان جمعة” مسؤول التحقيق في الفرع آنذاك، كما أضافت مريم أن العقيد “جمعة” كان يتناول الفستق و يقوم ببصق القشور على وجهها وأنه ولم يترك أي كلمة بذيئة لم يوجهها إليها, وأنها تعرضت لشتى أنواع التعذيب، وذكرت أن العناصر كانوا يقومون بتعليقها على الجدران وضربها مما تسبب بخلع بعضاً من أسنانها، أما في منتصف الليل فكانوا يأخذون الفتيات الجميلات ويقتادونهن إلى العقيد سليمان ليغتصبهن. بعد أن خرجت مريم من سجن دام قرابة الشهر منذ اعتقالها خسرت ثلث وزنها وواجهت رفضاً واسعاً من المجتمع المحيط بحجة أنها خسرت شرفها حتى أن زوجها طلقها. ليترك النظام بسجنه لها أثراً نفسياً سيئاً سيرافقها حتى نهاية حياتها.
على صعيد متصل فإن الشبكة السورية لحقوق الإنسان قدرت عدد النساء المعتقلات ب 8000 بينهن 300 دون سن الثامنة عشرة و2000 سيدة بالإضافة لآلاف النساء اللواتي خرجن من السجن بحسب إحصائية الشبكة السورية لعام 2018.
معاناة المغيبين قسرياً في المعتقلات هي الأكثر وقعاً وأثراً من أية إصابة ناتجة عن القصف، فمعظمهم اضطر للاعتراف بتهمٍ ملفقةٍ إما بسبب الإهانات التي تعرضوا لها أو بسبب طرق التعذيب المتبعة بحقهم، كالحرق والضرب والاغتصاب وقلع الأظافر وغيرها، فهذه التجارب تثير أثراً لتصبح كوابيساً عالقةً في أذهانهم فعدد المآسي التي يعاني منها المغيبون قسرياً يزيد في ظل غياب ملفهم عن الاجتماعات الدولية. وبحسب التقرير الذي أعلنته الشبكة السورية لحقوق الإنسان في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، أنه يجب أن تسبق جلسات المفاوضات بعض الإجراءات الايجابية وفي مقدمتها الكشف عن مصير 100 ألف مواطن سوري مختفٍ قسرياً, وقد فشل المجتمع الدولي بأكمله في الإفراج أو الكشف عن مصير مواطن سوري واحد مختف قسرياً عبر 9 سنوات, فكيف سوف ينجح في إتمام عملية انتقال سياسي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبدلاً من الكشف عن السابقين فإن أعداداً إضافية من المواطنين السوريين يختفون قسرياً وبشكل رئيس من قِبل قوات النظام السوري إنها وبدون شك جريمة ضد الإنسانية.
لذوي المعتقلين مآسٍ طالما أن لهم مغيبون في السجون و بقبضة النظام, فمن يرحم انتظارهم الذي بات يقضُّ مضجعهم ويفتك بما تبقى من أمل لديهم, خصوصاً بعد الصور التي نشرها قيصر, والتي كشفت غطرسة نظام أسد، فمنهم من فارق الحياة بسبب أزمة قلبية أصابته عندما رأى صورة أحد أقربائه بين تلك الصور والذي طال غيابه لسنوات عدة, صور قيصر وبما تحمله من آلام ومعاناة إلا أنها ستبقى وصمة عار في سيرة نظام أسد على مرِّ التاريخ .
الشعب السوري الذي قال كلمته بأنه يريد العيش بحرية وكرامة في بداية الثورة, هو اليوم يعلن مطلبه ولن يتراجع عنه بإطلاق سراح جميع المعتقلين في سجون النظام وعودتهم إلى أهاليهم, حتى وإن فشل المجتمع الدولي بالضغط على النظام بالتنحي عن السلطة, فشعلة الثورة باقية في أذهان السوريين حتى إسقاط النظام ونيل الحرية للمعتقلين.
بقلم فداء معراتي/المركز الصحفي السوري