المغامرات الأميركية المتواصلة في الشرق الأوسط.. ختامها فشل

بصفته سفيرا ومساعد وزير الدفاع سابقا، يعتبر شاس فريمان محللا واسع المعرفة ومحترما لشؤون الشرق الأوسط.

ويمثل كتابه الأخير “المغامرات الأميركية المتواصلة في الشرق الأوسط”، تتمة لسرد يخص تحديات السياسة الأميركية ونكساتها وأخطائها في المنطقة وذلك في كتاب ألفه سنة 2010 بعنوان “مغامرات أميركا في الشرق الأوسط”.

تتناول الفصول السبعة الأولى للكتاب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في مراجعة تطور هذا الصراع على مدى العقود الماضية حيث وفي معرض نقاشه لفشل حل للصراع بالرغم من عقود من الجهود يلصق فريمان الخطأ بدرجة أولى بالجانب الإسرائيلي، وبخاصة القيادة السياسية (والدينامية السياسية الداخلية في إسرائيل) على مدى العقد السابق أو أكثر.

وتم تخصيص الفصول الخمسة التالية من الكتاب لما يسميه “الانتفاضات العربية”، وهي عبارة يستعملها “لتفادي الخلط بين غايات الجماهير في شوارع تونس والقاهرة وصنعاء ودمشق، وبين الديمقراطية على الطريقة الغربية التي تحيل إليها عبارة ‘الربيع العربي”.

وفي الأيام الأولى وهو يتحدث عما سماه وقتها “الصحوة العربية”، وصف فريمان الاحتجاجات قائلا “ما هم ضده أوضح مما هم معه”، ويتساءل “ما هو التوازن المستقبلي الذي سيقوم بين السياسة العلمانية والسياسة الإسلامية؟”.

ومن زاوية نظر اليوم الحاضر والواقع الراهن، وفي عالم انتهت فيه جهود الجماهير العربية في سنة 2011 نحو إصلاح وتعصير حكوماتها واقتصادياتها ومجتمعاتها إلى الفشل الذريع (مصر) أو العنف المأساوي (سوريا)، تبدو ريبة فريمان المبكرة ذات بصيرة نافذة، وعلى طول المسار، تلقى نفوذ أميركا ومصداقيتها مع الحكام العرب ضربة كبيرة بسبب قرار سحب الدعم من الشريك القديم حسني مبارك.

يحتوي العنصر الثالث من كتاب ساش فريمان على خمسة فصول تتناول الشرق الأوسط من خارج زاويته الإقليمية حيث يلاحظ الكاتب التنوع المتنامي للعلاقات الاقتصادية والسياسية للبلدان الرئيسة في الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج.

ويعتقد أن خيبة الأمل المتزايدة في الولايات المتحدة دفعت (أولا بسبب ردة فعلها تجاه الربيع العربي، ومؤخرا بتعاونها مع ايران) المنطقة، وخاصة الدول الخليجية، إلى البحث عن علاقات جديدة مع الصين والهند أو تقويتها.

ومثلما يلاحظ فريمان فإن آسيا باتت منطقة النمو الاقتصادي الأقوى حاليا، نظرا لأن حصة متزايدة من موارد الطاقة في منطقة الخليج تصدر إلى آسيا، حيث نشهد توجها لبلدان المنطقة أكثر “توازنا” وأقل تركيزا على الغرب.

ويركز القسم الأخير من الكتاب على السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، وهنا يقدم السفير السابق نقده الشامل لتدخلات الولايات المتحدة في المنطقة، وبخاصة حين يذكر إستراتيجية يصفها بأنها “غير متوازنة” لفائدة التدخل العسكري.

وبالفعل، مثلما يلاحظ في مقدمة القسم الأخير فإن “السياسة الخارجية الخالية من الدبلوماسية لا تنجح”؛ إذ ينتقد فريمان بشدة ما يراه من هيمنة حالية لطائرات دون طيار وعقوبات اقتصادية وسياسات “العسكر أولا”. وعلى امتداد كامل هذا القسم يشير وزير الدفاع السابق إلى حقيقة أن “الخطاب الجذاب على المستوى الداخلي” إضافة إلى “مركب عسكري- صناعي- برلماني” أديا إلى ما أسماه “ثقافتنا السياسية الحالية المعسكرة بشدة”، وما لذلك من وقع مؤسف على السياسات الأميركية في الشرق الأوسط.

وينتقد الكاتب بشكل لاذع ما يسميه فقدان الولايات المتحدة للمكانة المعنوية العالية من خلال سياسات تعذيب في فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 (“التحقيق المعزز”) وإنكار مبدأ حماية الأعداء في ساحة القتال مثلما تنص عليه معاهدة جنيف، في حين أن الولايات المتحدة كانت قادرة على التذرع بمبادئها وقيمها للجماهير الأجنبية المتقبلة حيث وهي تتدخل دوليا، تسببت السياسات المعتمدة في السنوات الأخيرة في تلطيخ صورة أميركا.

ويشير المؤلف إلى الأثر الضار “للنفوذ العسكري والاقتصادي الطاغي للولايات المتحدة” وهو ما غذى شعورا بالغرور لم يكن في مصلحة واشنطن.

وفي ختام عمله يضع ساش فريمان قائمة لما يعتبره أهداف السياسة الإقليمية الأميركية التي لم تتغير فعلا لعقود، وهي: “كسب القبول والأمن لوطن يهودي”، و”ضمان توفر لا ينقطع لمواد الطاقة القادمة من المنطقة”، و”الحفاظ على قدرتنا على عبور المنطقة”، و”الحيلولة دون بروز ‘متغطرس′ إقليمي”، و”زيادة التجارة المربحة إلى أقصى حد”، و”تعزيز الاستقرار وحقوق الإنسان والتقدم نحو الديمقراطية المؤسساتية”.

ويلاحظ المحلل الأميركي مشكلتين هيكليتين تعوقان تحقيق هذه الأهداف، ويسميهما “التمكين” و”الخطر المعنوي”.

ويشرح ذلك بقوله “يحدث التمكين عندما يتساهل طرف معين في العلاقة مع السلوك العاطل لطرف آخر أو يسانده، ومن ثم يمكّنه”، ويظهر الخطر المعنوي، وهو نتيجة مباشرة للتمكين، عندما يعتقد الأطراف الإقليميون بأن الولايات المتحدة ستأخذ على عاتقها (من طرف واحد) أعمالا (“تتحمل العبء) لفائدتهم، ومن ثم إعفاءهم من الحاجة إلى اتخاذ ما يمكن أن يكون قرارات موجعة ومكلفة من أجل حماية مصالحهم.

وفي رأي فريمان، هذه الأضرار شائعة جدا في علاقات الولايات المتحدة مع اسرائيل والكثير من البلدان العربية.

العرب

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist