شهدت تركيا تصعيداً أمس، اذ اتهم الرئيس رجب طيب أردوغان الغرب بـ «دعم الإرهاب ومدبّري» محاولة الانقلاب الفاشلة في بلاده، متحدثاً عن «سيناريو كُتِب في الخارج». في المقابل، هددت المعارضة باللجوء إلى المحكمة الدستورية لإلغاء القرارات الأخيرة للحكومة، معتبرة أنها ستجعل المؤسسة العسكرية «أشبه بجيش» الزعيمين الراحلين العراقي صدام حسين والليبي معمر القذافي.
ودخل القائد السابق لأركان الجيش التركي الجنرال المتقاعد إلكر باشبوغ على خط السجال، اذ حذر من أن إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية «ستُضعفها بحيث تعجز عن الدفاع عن تركيا في مواجهة تهديد حقيقي».
واعتبر أردوغان أن قوى مستاءة من صعود تركيا بوصفها قوة إقليمية، تقف وراء المحاولة الانقلابية، قائلاً: «الغرب يدعم الإرهاب ومدبّري الانقلاب. منفذوه تحرّكوا في البلاد، لكن السيناريو كُتِب في الخارج». وأسِف لامتناع أي زعيم غربي عن زيارة تركيا بعد المحاولة، قائلاً: «مَن اعتقدنا بأنهم أصدقاء، يقفون إلى جانب مدبّري الانقلاب والإرهابيين».
ودافع عن إعادة هيكلة الجيش، معتبراً أنها ستجنّبه أن «يسيطر عليه» أنصار الداعية المعارض فتح الله غولن الذي يتهمه أردوغان بتدبير المحاولة الانقلابية، معلناً أن حكومته ستعيد هيكلة جهاز الاستخبارات، اذ «كان تحت سيطرة» أنصار الداعية.
وانتقد موقف الولايات المتحدة في شأن تسليمها غولن، إذ سأل مخاطباً الأميركيين: «كيف يُعقل، حين نكون شركاء استراتيجيين وأطلب منكم باسم بلدي تسليم شخص، على أسس وثيقة استراتيجية أمن قومي، وتواصلون إخفاءه وإيواءه؟ لم نطلب وثائق لإرهابيين أردتم تسلّمهم». ولفت إلى أن الداعية يجني 200-300 مليون دولار من المدارس التي تديرها مؤسساته.
وندّد الرئيس التركي بقرار السلطات الألمانية منعه من مخاطبة أنصاره عبر دائرة تلفزيونية، خلال تظاهرة نُظمت في مدينة كولونيا الأحد، مكرراً دفاعه عن إعلان «حال طوارئ تحترم الإجراءات الأوروبية». وتابع: «لا عودة إلى وراء. لن نتراجع عن قرارنا ونقدّم تنازلات. إذا أشفقنا على القتلة ومدبّري الانقلاب، سينتهي بنا الأمر في وضع يُرثى له». ودعا أردوغان القضاة الإيطاليين إلى «الاهتمام بالمافيا، لا بنجله» بلال، منبّهاً إلى أن تحقيقاً قضائياً في حق ابنه حول تبييض أموال، «قد يؤثر في العلاقات» بين روما وأنقرة. وقال لشبكة تلفزة إيطالية: «على ابني أن يعود إلى (مدينة) بولونيا لاستكمال دراسة الدكتوراه، لكنه بات يخشى توقيفه».
وعلّق رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، اذ كتب على موقع «تويتر»: «في بلادنا يتبع القضاة القانون والدستور الإيطاليَّين، لا الرئيس التركي. هذا يُسمى دولة القانون».
إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم أن حكومته سيطرت على مصانع وأحواض تشييد سفن تابعة للجيش، مؤكداً أن إعادة هيكلة القوات المسلحة «لن تُضعف الجيش، بل ستجعله مستعداً لمواجهة كل التهديدات». وأشار إلى خطط لإغلاق محكمتين عسكريتين، الإدارية والاستئناف، لافتاً إلى أن المحاكم العسكرية ستخضع لإشراف وزارة الدفاع.
وأوردت وسائل إعلام مقربة من الحكومة أن الأخيرة تُعدّ خطة لإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات، وتقسيمه على الطريقة الأميركية، إلى استخبارات داخلية ستتبع الشرطة والدرك، وخارجية تتبع الرئاسة التي ستشكّل وحدة تنسّق نشاطات الوكالتين.
في المقابل، صعّدت المعارضة انتقاداتها لقرارات الحكومة، خصوصاً إعادة هيكلة الجيش، اذ هدد رئيس «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيلجدارأوغلو باللجوء إلى المحكمة الدستورية، لإلغاء هذه القرارات، قائلاً: «صلاحيات قانون الطوارئ تجيز للحكومة إقرار قوانين ظرفية موقتة تتّصل بالوضع الحالي، وتزول بزوال حال الطوارئ. وهذا لا ينطبق على قوانين إقامة نظام سياسي جديد وهيكلة الجيش، كما تفعل الحكومة». ولفت إلى «فارق ضخم بين ما يريده الشعب، وهو إخضاع الجيش لمحاسبة الحكومة المنتخبة، وبين ما تعمل عليه الحكومة، وهو تدخّل المدنيين في كل الشؤون الداخلية للجيش».
أما رئيس حزب «الحركة القومية» دولت باهشلي فاعتبر أن الحكومة «تسرّعت في إعادة هيكلة الجيش، وقراراتها ستثير مشكلات أكبر داخل المؤسسة العسكرية». وحذر من أن «دوس تقاليد القوات المسلحة التركية ومبادئها، في محاولة لإصلاح مشكلاتها الهيكلية، سيجعلها تشبه جيش صدام أو القذافي».
واعتبر باشبوغ أن ما حدث لم يكن انقلاباً عسكرياً، بل محاولة جماعة إسلامية وضع يدها على الحكم، من خلال أنصارها في الجيش ومؤسسات الدولة، رافضاً أن تدفع المؤسسة العسكرية الثمن. ونبّه إلى أن «ربط قادة الجيش بوزارة الدفاع يجعل رئيس الأركان بلا صلاحيات ويشتّت وحدة الجيش ويسيّسه». ورجّح انتشار المحسوبية في المؤسسة العسكرية، محذراً من أن «هذه التركيبة ستُضعِف الجيش، في شكل كبير قد يعجز معها عن الدفاع عن تركيا في مواجهة أي تهديد حقيقي». وذكّر بأن جميع السلاطين العثمانيين الذين حاولوا تغيير تركيبة الجيش، فشلوا في منع الانقلابات العسكرية.
إلى ذلك، أقال اتحاد كرة القدم التركي 94 مسؤولاً، بينهم حكّام، بعد المحاولة الانقلابية.
الحياة