منذ مطلع العام 2011 مع اندلاع الثورة السورية تعيش سوريا صراعًا عسكريًا، ووفقًا لأرقام مقدمة من قبل الشبكة السورية لحقوق الإنسان لقيَ ما لا يقل عن سبعمائة صحفي حتفهم أثناء العمل الصحفي.
كما تعرّضت الصحفيات اللواتي أجبر بعضهن على العيش في المنفى بشكل خاص إلى الاستهداف بأشكال مختلفة من العنف.
ورغم زيادة أعداد النساء العاملات في مجال الصحافة بشمال سوريا، إلا أنّ حجم المعاناة ما زال يتفاقم ويتشاركن مع الصحفيات العراقيات في تعرضهن للتنمر والعنف والضغوطات على حرية الرأي والتعبير، إضافة إلى القيود المجتمعية.
تقول الصحفية السورية “رنا توتونجي” إنّ الصحفيات في سوريا استطعن كسر جزء من القيود وأصبحت هناك 398 امرأة يعملن في المجال الصحفي على الرغم من ضعف المحتوى الإعلامي المتعلق بقضايا النساء الحساسة والتحقيقات المعمقة المرتبطة بالجرائم ضد النساء.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/460968595831900/?extid=WA-UNK-UNK-UNK-UNK_GK0T-GK1C&ref=sharing
فيما فقدت عشرات الصحفيات حياتهن بسبب غياب تدريبات الحماية الشخصية، وعدم تزويدهن بأدوات الحماية المهنية كما تعتبر صعوبة الحركة والتنقل بسبب المظهر والمخاطر الأمنية الى جانب التحرش والإساءة اللفظية والتهديدات والصورة النمطية للمرأة من أبرز التحديات الشائعة التي تعاني منها أغلب الصحفيات السوريات.
الصعوبات التي تواجه الصحفيات
وأشارت توتونجي إلى انعدام البيئة الآمنة داخل المؤسسات الإعلامية وغياب السياسات المراعية لأوضاع الصحفيات والنوع الاجتماعي.
وبحسب صحفيات سوريات أخريات يعملن لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة إضافة إلى غياب العدالة في توزيع الأدوار والمهام داخل المؤسسات الإعلامية وعدم تطبيق قوانين العمل الإعلامي كما ينبغي.
وبحسب الصحفية “سيدرة الفردوسي”، فإنّ النساء اللواتي يرغبن بالدراسة في كليات الإعلام يواجهن صعوبات كبيرة، وتعاني هي وزميلاتها من “عقلية المجتمع” الذي يحرّم الصحافة على النساء ويحللها للرجل فقط، مما يضعهن أمام مواجهة مجتمعية حقيقية محفوفة بالمخاطر.
ما زالت الصورة النمطية تلاحق الصحفيات وتعتبر من أبرز التحديات التي تواجه العاملات في الميدان. وتعاني الصحفيات من قيود العادات السائدة، ويشتكين من رفض بعض الجهات التعامل مع الصحفيات عندما يطلبن معلومات لتغطية موضوع صحفي.
أضافت الفردوسي في الحقيقة مجال الصحافة وتحديدًا التصوير يطغى عليه الرجال أكثر من النساء وهو ما اعتبره مشكلة بحد ذاته فكوني أنثى أجد نفسي في مجال يغلب عليه الرجال وغير مرغوب لأغلبية النساء، وغالبًا تكون الصعوبات من ناحية المبادئ والدين فأجد مثلاً صعوبة في التواصل مع زملائي والتعاون معهم.
https://www.facebook.com/watch/?ref=external&v=603403098034883
وتضيف، أواجه الكثير من المشكلات والعقبات أثناء تغطية الأحداث بدءًا من صعوبة الوصول إلى مكان الحدث بالتوقيت المناسب، ومرورًا بنظرة الناس لي كوني امرأة أحمل كاميرا، حيث أشعر أن رؤيتهم لي تنسيهم الحدث نفسه ويبدؤون بمراقبتي كأنني شيء غريب عجيب أو غير مألوف، وانتهاءً بقيود كثيرة تفرض علي من ناحية مبادئي وديني ومن ناحية أخرى المجتمع والسلطات.
فمثلاً التواجد في أماكن يطغى عليها الرجال صعب جداً بالنسبة لي، كما أنه لا يمكنني مثلاً الخروج من بيتي في منتصف الليل لتغطية حدث طارئ، فيما تواجه زميلاتي الصحفيات المتزوجات والأمهات الكثير من العقبات الأخرى بسبب وجود مسؤوليات البيت وتربية الأطفال على عاتقهن.
أردفت الفردوسي كوني إمرأة ملتزمة مبادئي وحدود ديني وأعيش في مجتمع ملتزم جعل العقبات أمامي أكبر بكثير من تلك العقبات التي تواجه باقي النساء الصحفيات في المجتمعات الأخرى، إلا أنني أصر على الاستمرار في ممارسة مهنتي أولاً لأنني أعتبر نقل الحقيقة مسؤولية تقع على عاتقي في وقت كثيراً ما تتعرض فيه الحقيقة للتشويه والتضليل، وثانياً لأن مهنة الصحافة هي شغفي ولن أترك ميدان نقل الحقائق رغم كل العقبات.
https://www.facebook.com/watch/?ref=external&v=460968595831900
الانتهاكات والتهديدات
يذكر أنّ الانتهاكات تشمل المضايقات والتهديد والإقصاء والتحرش والتهميش، وفي كل يوم يزداد حجم الانتهاكات “المسكوت عنها”، إذ تتجنب الزميلات الإفصاح خشية من الثأر والملاحقة ولوم المجتمع أو فقدان فرصة العمل.
كما أعربت صحفيات أخريات عن تهديدات أمنية مختلفة وخطرة بسبب تغطية موضوع صحفي يمس مصالح جهة سياسية أو لمجرد التعبير عن رأي سياسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو انتقاد جهات أو شخصيات حزبية و سياسية.
كما تعاني الصحفيات المستقلات في الشمال السوري من صعوبة الحصول على المعلومات والوصول إلى المصادر ومحدودية الدعم للمشاريع الإعلامية المستقلة المسؤولات عن إدارتها.
ويعتبر إقصاء الصحفيات عن إدارة المؤسسات الإعلامية والتمييز في الأجور والمهام والترقية والتدريب من التحديات المستمرة، مما يزيد معاناة الصحفيات من مشكلة الصورة النمطية التي تحجم عملهن وظهورهن عبر شاشات التلفزة.
فمعظم الأحيان يتم إقصاؤهن عن تنفيذ أعمال مهمة مثل تغطية المظاهرات أو النزاعات، ويسمح لهن بتقديم البرامج الاجتماعية والترفيهية، ويبدو أنّ مشكلة التمييز في العمل والأجور والتهميش في المناصب الإدارية داخل المؤسسات الإعلامية من التحديات الشائعة أيضًا. “لا توجد صحفيات في شمال سوريا يرأسن مؤسسات إعلامية.
التوصيات الرئيسية للعاملات في مجال الإعلام
وأضفن بعض التوصيات الرئيسية للعاملات في مجال الإعلام منها:
ضرورة التركيز على برامج تعزيز ثقة الصحفيات بأنفسهن من خلال التدريب والدعم وتوعيتهن بحقوقهن لضمان عدم التخوف من تقديم الشكاوى، خاصة في حال تعرضهن الى التحرش، كما يجب إعادة الثقة بين الصحفيات والنقابات المعنية بشؤون الصحفيين والصحفيات.
تدريب الصحفيات في مجال الأمن الرقمي والسلامة المهنية، ولا سيما في مناطق تغطية النزاعات والحروب.
يجب تعزيز الصحافة الجندرية والتوعية بالقوانين الدولية وقوانين الإعلام وتوفير منح زمالة دراسية وتدريبات رصينة للصحفيات خارج سوريا.
دعم النقابات المنظمة لعمل الصحافة السورية من خلال خلق شراكات عمل ووضع قوانين ملزمة للمؤسسات الإعلامية لإجبارها على إبرام عقود عمل تكفل حقوق الصحفيات العاملات لتصبح عقود العمل من الشروط الأساسية الإلزامية لمنح رخص العمل لوسائل الإعلام.
توعية الصحفيات بحقوقهن وإجراء تقييم مستمر لسير عمل المؤسسات الاعلامية في مجال إعداد وتطوير السياسيات العامة الضامنة لحقوق الصحفيات وحمايتهن.
فهل الصحافة هي حكرٌ على الرجال فقط؟ أم أن المجتمع الشرقي لا يتقبل وجود أنثى حاملةً لكاميرتها وهي ترصد الحقيقة؟
محمود المعراوي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع