_مصطفى النعيمي
ارتبط في مخيلة السوريين مفهوم المصالحات بأنها مرحلة سياسية تفضي بسيطرة النظام على المناطق الخارجة عن سيطرته، بعودتها إلى كنف النظام، دون إدراك بأنها ستصبح مستباحة رغم الإشراف الروسي وتعهداته وإدارة بعضها، وخديعة البعض بالجانب الروسي، ووعوده التي أفضت للواقع المرير، في فرض القتال ما بين طرفي النزاع على السلطة في مناطق سيطرة ونفوذ كل من القوى الإيرانية الروسية، وقتل على إثر تلك الخلافات العشرات من السوريين، وكذلك عناصر للميليشيات الإيرانية وحليفهم الإستراتيجي حزب الله.
هدن المنطقة الجنوبية
ما الذي حققته تلك الهدن بعد انقضاء سنة من تأريخ نفاذها، وماهي أخطارها المستقبلية، وماذا استفاد منها أهل الجنوب؟ نجد أن تلك الهدن قد الحقت الانكسار والخنوع لدى الغالبية العظمى لأهل الجنوب عامة، سواء كان منتميا للنظام فكريا أم أنه قد صالح حديثا، وقد فقد البعض الثقة بالنفس بإمكانية التغيير، سواء على المدى المنظور والبعيد أيضا، حيث لم تجلب لهم سوى المزيد من الدمار والانكسار والنزوح مجددا وعودة الهاجس الأمني الذي يؤرقهم والمتمثل بخشية الاعتقال ولكن ضمن خارطة النفوذ فقد اختلطت جميع الأوراق، ولم يعد يعرف من يعتقل من، والكل مطلوبا وفقا تقييم قوات النظام، حيث ساهمت تلك الحالة المأساوية في تحطيم كل معالم الإنسانية والحلم بعودة الاستقرار وعودة شبح القتل والانتقام يسيطر على الساحة، وتلك الفوضى الخلاقة هي بيئة خصبة لنمو كيانات إرهابية تتبع للميليشيات الطائفية الرديفة وتحت بند الإرهاب يتم سوق العديد من أبناء البلدة للخدمة العسكري الإجبارية، ليتم زجهم في المناطق الملتهبة والمتمثلة بجبهتي ريف إدلب وريف حماة، ولم يعد بمقدور من بقي في الجنوب الانسحاب من المشهد، فغالبية أبنائهم قد أخذوا كرهائن، والقسم المتبقي مازال البحث عنهم في سلم أولويات النظام وداعميه، والفراغ الأمني الحقيقي ساهم بخلق البيئة الخصبة لمشروع التشييع في الجنوب.
وأفاد مصدر خاص من “إعلاميو حوران” المستقلون بأن قدوم مدير المخابرات الجوية اللواء “جميل الحسن” إلى درعا تزامن مع مرور عام على فرض السيطرة الكاملة على الجنوب السوري، وذلك بعد توجيه عدة ضربات للحواجز الأمنية التابعة له حيث تم استهداف الحواجز في كل من بلدات ( داعل – الكرك الشرقي – أم ولد – ناحته – بصر الحرير ) فزيارته لتفقد تلك الحواجز، ولتطمين الحاضنة الشعبية وكذلك الخوف من انفجار بركان الثورة من جديد في محافظة درعا، وما حققه “الحسن” من إنجازات لا يعدو سوى اعتقالات بحق المدنيين، حيث طالت النشطاء والصحفيين ممن كانوا منخرطين بصفوف الثورة ، وهنالك عمليات انشقاق قد تمت لأكثر من100 عنصر حيث انشق عن قوات الأسد من محافظة درعا وهناك رفض شعبي بإرسال أبنائهم الى الخدمة الإلزامية، ومعرفتهم بأن أبنائهم هم مجرد وقود سيستخدم بمعارك الشمال السوري.
وفي تصريح خاص أفاد العقيد الركن “عبدالله الأسعد” بأن ما يجري في الجنوب السوري عموما وفي محافظة درعا خصوصا هو عمل يشبه عمل المقاومة الشعبية إلى حد كبير جداً، لأنه يوجد في الطرف الآخر أعمال قد يكون الغاية منها إعادة بسط سيطرة النظام على الجنوب السوري، وفي الواقع لا يوجد قيادة للعمل الذي يجري في الجنوب ومعظم العمل يكون بشكل منفرد، ونذكر هنا مثالاً استهداف مخفر في قرية أم ولد والقرية لم تكن فيها يوم من الأيام معارك على أشدها وإنما كانت هادئة حتى أثناء الثورة، وهي قريبة جغرافيا من محافظة السويداء، وكانت ضمن القرى التي أجرت مصالحات مع النظام السوري، وفيها ثوار قاموا بأعمال قتالية خارج قريتهم فالقيام بهذه الاعمال ضمن القرية في هذه الأيام من أجل خلق مبرر لدخول القوى الأمنية وخاصة فرع السويداء الذي يجاور القرية، بالدخول واعتقال المطلوبين وتسير حملات أمنية وتعميم تلك الحملات على القرى الجنوبية الشرقية ( معربة – أم عصم – الجيزة – الطيبة – وصولا إلى أم المياذن – نصيب ) ومن ثم الاتجاه في عمق محافظة درعا، والأعمال القتالية التي تجري أو المقاومة هي جزء منها إيجابي لا يتجاوز ال 10 % ، و 90% سلبي لأن نتائجها لا تمثل إزعاج للنظام او تدمير او قتل شخصيات ذات قيمة، وإنما يستهدف بعض الحواجز التي يكون بمجملها هناك من عناصر المصالحات من أبناء المنطقة، والنظام يزج بهم في هذه المواقع بالتحديد، والنظام أعطى مهلة لأبناء حوران من أجل تسليم أنفسهم والالتحاق بالعسكرية، والكثير لم يلتحق وأما بموضوع الصراع الخفي ما بين الفرقة الرابعة والفيلق الخامس ليس بهذا الحجم الكبير، لأن إيران تعد إلى العمل العقائدي في الجنوب أكثر من العمل العسكري، وبذات الوقت تقوم بمشاريع عسكرية في هذه المناطق وإنما لا توازي العمل الديني لما يسمى “بالتمدد الشيعي”، من خلال تشييع السكان وذلك عبر تأسيس جمعيات بالمنطقة وألوية من أبناء المنطقة، وهذا أكثر شيء ممكن أن تعمله إيران، أما على الصعيد العسكري تم تجميده حاليا وذلك بسبب تلقيهم ضربات إسرائيلية لهذه المناطق وخاصة اللواء 313 و قاعدة اللجاة العسكرية ومواقع تدريب خاصة بإيران، وهذا الصراع ليس كبيراً والفيلق الخامس هو مرحلة مؤقتة وسينتهي، وحتى البعض من عناصره يتم إلحاقهم بالفرقة الرابعة عند الطلب وحتى إلى المخابرات العسكرية وكذلك المخابرات الجوية وغيرها.
ماذا جنى أهل الجنوب من المصالحات؟
ما الذي جناه أهل الجنوب من تلك المصالحات الهشة التي قطعت عنهم أبسط مستلزمات الحياة الكريمة، سوى الحصار والمحاربة حتى في لقمة العيش، والاستمرار في عمليات الاعتقالات التعسفية، وكان الغالبية قد حاولوا توظيفه بشكل مباشر أو غير مباشر للعمل كركيزة لبناء مشروع التشيع في المنطقة الجنوبية، ولكن أيضا القليل من يستطيع أن يرفض ويعي خطورة هذا المشروع السرطاني، الذي يهدف إلى تغيير الإيراني الذي بدأ بالتغيير الديموغرافي، لينتقل منه للتغير عبر القوة والإرهاب في حالة رفض الانضمام لهذه المشاريع المشبوهة، ويبقى السؤال الأهم: “ما الذي جناه أهل الجنوب السوري من تلك المصالحات الهشة؟”.
¬¬¬_مصطفى النعيمي
_المركز الصحفي السوري