حسين عبد العزيز
بدأ العام 2014 بتفاؤل سوري كبير بإمكانية التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة في البلاد، ويوقف حمام الدم، وكان انعقاد مؤتمر “جنيف 2” عنوان هذا التفاؤل. لكن، سرعان ما تبيّن أن الواقع السوري أعقد بكثير ممّا توقع الفاعلون الدوليون.
انهار “جنيف 2” مع إصرار النظام على اختزال الأزمة السورية إلى مكافحة الإرهاب، وكان من نتيجة ذلك ارتفاع وتيرة العنف إلى مستوى لم تعرفه البلاد منذ بدء الأزمة، وقد أدت ضربات النظام الفصائل السورية المعتدلة، وتراجع الغرب عن تأمين المساعدة لها، إلى تراجع تأثير هذه القوى على الأرض، لينحسر المشهد الميداني بين ثلاثة قوى، ليس لها مصلحة بقيام دولة ديمقراطية: داعش والنصرة والنظام.
أدى التغيّر الميداني الذي أحدثه داعش، بعد تمدده في الشمال والشرق، إلى تغيير التحالفات الداخلية، فصائل إسلامية وعشائر يعلنون الولاء للتنظيم، وآخرون يهادنون، فيما تؤجل قوى
“أدى التغيّر الميداني الذي أحدثه داعش، بعد تمدده في الشمال والشرق، إلى تغيير التحالفات الداخلية، فصائل إسلامية وعشائر يعلنون الولاء للتنظيم، وآخرون يهادنون، فيما تؤجل قوى أخرى المواجهة إلى حين.
”
أخرى المواجهة إلى حين.
ترافق ذلك مع حشد دولي لمحاربة التنظيم، تحت اسم التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة التي وجدت أن محاربة التنظيم تتطلب تفاهمات ميدانية مع حلفاء النظام، لا سيما إيران.
أما جبهة النصرة التي تعرضت لضربات موجعة، بداية العام، فقد استطاعت الحفاظ على وجودها جنوبي البلاد، فيما استعادت عافيتها أخيراً في الشمال، بتحقيق نجاحات ميدانية متميّزة، أبرزها السيطرة على معسكري وادي الضيف، شرقي مدينة معرة النعمان، والحامدية، جنوبي المدينة، في ريف إدلب الجنوبي. غير أن ما يلفت الانتباه هو مهاجمة النصرة قوى معتدلة، وتمددها في المناطق الخاضعة لها، بعد تصفيتها جبهة ثوار سورية. وإذا ما استمرت المعارك على هذا النحو، فإن النصرة وداعش سيهيمنان على كامل المشهد الميداني في الشمال والشرق إلى جانب قوات النظام.
حقق النظام، بدوره، إنجازات مهمة، أبرزها في حمص وحماة وغوطة دمشق، فضلاً عن القلمون التي كانت تشكل القاعدة الخلفية وخزان الإمداد الرئيسي (البشري والعتادي) لدمشق وريفها وللمنطقة الوسطى في سورية (حمص وريفها)، ولمناطق في البادية شرقاً.
دفع هذا الواقع فصائل عسكرية سورية إلى إعادة ترتيب تحالفاتها، فتم، في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تشكيل مجلس عسكري موحد، باسم مجلس قيادة الثورة السورية، ضم فصائل في الجبهة الإسلامية والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وفصائل من الجيش الحر، مثل جيش المجاهدين وجبهة حق وحركة حزم، والفرقة 13 وغيرهم.
وفي حلب وريفها، أعلنت كبرى فصائل المعارضة، أخيراً، تشكيل قيادة موحدة عرفت باسم الجبهة الشامية، وتضم حركة نور الدين زنكي وجيش المجاهدين وتجمّع “استقم كما أُمرت” والجبهة الإسلامية في حلب وجبهة الأصالة والتنمية وحركة النور.
وترافقت التطورات الميدانية بتطور سياسي، تمثل بإجراء النظام انتخابات رئاسية أحادية الجانب، كان هدفها تثبيت الوضع السياسي في البلاد، واستثمار هذا الاستحقاق في أي تسوية مقبلة، وهو ما بدا جلياً في كلام نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في زيارته، أخيراً، دمشق وبيروت، أن الانتخابات السورية شرعية والأسد رئيس شرعي.
وكما بدأ العام 2014 بتفاؤل سياسي، فقد انتهى أيضاً بتفاؤل سياسي، من خلال مبادرتين، الأولى، مبادرة المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، تجميد الصراع في حلب، والثانية الحراك الروسي لإطلاق مفاوضات سياسية بين النظام والمعارضة.
وعلى الرغم ممّا يكتنف التحرك الروسي من غموض، لجهة الأهداف والتوقيت، فإن الخطوة استطاعت تحريك المياه السياسية الراكدة في سورية: المعارضة في الداخل والخارج تعملان على تشكيل موقف موحد، وهو أمر كان مفقوداً في “جنيف 2″، وإشارات سياسية من حلفاء النظام عن مرحلة انتقالية، ترضي طرفي الأزمة، فيما يظل مصير الأسد غامضاً في المبادرة الروسية، كما كان في “جنيف 2”.
انعكست التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الأزمة السورية خلال عام 2014 سلباً على الوضع الإنساني، حيث ارتفع عدد القتلى إلى مئتي ألف قتيل مسجل فقط، والإصابات إلى مئات الآلاف، ناهيك عن عشرات أو مئات آلاف المعتقلين، ترافق ذلك مع صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين في مناطق النزاع، بسبب اشتداد المعارك وبيروقراطية الحكومة السورية.
كما شهد عام 2014 أكبر نسبة نزوح للاجئين السوريين حول العالم، بسبب وطأة الحرب في البلاد، حيث أكد بيان منظمة العفو الدولية أن لاجئي الأزمة السورية في الأردن ولبنان والعراق وتركيا ومصر وصلوا إلى 3.8 ملايين لاجئ، فيما يتوزع أقل من مليونين على بقية دول العالم.