حين تتحدث إليهم تتقاطر الضحكات وسط الدموع تماماً، وكأنك تعيد شريط الحياة إلى الخلف، حين سألنا عن الماضي ابتسموا ولكن غصة الأحزان لا يمكن أن تغيب فتجاعيد الزمن لا ترحم..
بصوت مرتجف وعيون دامعة “مابقيلي حدا هون كل ولادي راحو، كبرتن لحتى يتركوني عيش لحالي.. مافي حوالي بهالبيت غير الحيطان”.
حياتهم تكاد تكون على الهامش، ظروفهم تختلف تفاصيلها ولكنها تتشابه كثيراً في العناوين، ابتعد عنهم الصغير والكبير وغاب عنهم الأبناء، غلبت عليهم ظروف الحياة وامتد بهم العمر ونالت منهم قسوة المرض ليتحولوا إلى أرقام تضاف إلى عالم المسنين.
“أم عبدو” البالغة من العمر 71 عاماً تعبر لنا عن معاناتها بعد رحيل أبنائها عنها لبلاد الغربة خوفاً على أنفسهم وأولادهم من الحرب التي طالت بلادهم سوريا قائلة: “عندي 7 ولاد، 6 صبيان وبنت.. اسماءهن موجودي عدفتر العيلة بس، ماحدا بقي منن هون جنبي.. سافروا واحد ورا واحد.. وبكل مرة كنت حس روحي عم تطلع بسفرة الي بعدو.. هيك لحتى ابقيت وحيدة أنا وأبو عبدو الي عمرو 83 سنة وتنيناتنا ماالنا غير الله بهالدنيا والناس الي عم تساعدنا”.
الخطوات بطيئة ومرتعشة والصمت مطبق والعيون دامعة ليجدوا أنفسهم تعيسي الحظ يبحثون عمن يعطف عليهم تحت غياب رعاية الأبناء، علهم يجدون في كنفهم شيئاً مما فقدوه لدى من خرجوا من أرحامهم.
“أبو سعيد” صاحب بسطة في مدينة ادلب يضع عليها أشياء من الخرداوات عله يبيع منها شيئاً يسد به الفراغ الذي تركه أولاده بعد زواجهم وعدم سؤالهم عنه، ففي حديثنا معه وهو جالس أمام بسطته وعلامات التعب والشحوب على وجهه المليء بالتجاعيد قائلاً: “الحمدلله ربنا مابينسى حدا وعندي ولاد حارتي مابيتركوني أبداً وبساعدوني وبجبولي اكل عالبيت وماني بحاجة لحدا من ولادي”.
أمنيات الصحة والعافية والدعوات الجميلة الصادقة هي كل ما نطقت بهم أم محمد البالغة من العمر 88 عاماً، وهي تدعو لابنها البار قائلة: ” الله يخليلي ابني أبو عبدالله ويبعتو لكل أم مشتهية مابيتركني ولا لحظة مع أنه جد وصار عندو أحفاد ومسؤولياته كبيرة كتير”.
كيف يقابل إحسان الأمومة وقد اشتعل رأسها شيباً في سبيل إسعاد الأبناء، ورق عظمها من أجل راحتهم؟
كيف سيكون قطار حياتنا غداً بعد أن تتغير السيناريوهات وتختلف الحكاية، فالجزاء دوماً سيكون من جنس العمل؟
المركز الصحفي السوري – ديانا مطر