تواجه المرأة السورية ظروفاً غاية في الصعوبة منذ انطلاقة الثورة عام 2011، فقد أجبرت على النزوح والكفاح جنباً إلى جنب مع الرجل لإيصال أسرتها إلى بر الأمان ومواجهة مخاطر كبيرة.
بالإضافة لآلام النزوح واللجوء تعرضت النساء السوريات للملاحقة والاعتقال والتعذيب، كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن المرأة السورية ما تزال تعاني من أسوأ أنماط الانتهاكات .
تروي الممرضة ماجدة للمركز الصحفي السوري، وهي امرأة متطوعة في المجال الصحي، اختصت بالتخدير والعناية ، عن حياتها في ظل القصف والحملة العسكرية على إدلب “نزحنا بسبب الحملة العسكرية التي شنها النظام وروسيا علينا في الفترة الأخيرة، وهذه ليست المرة الأولى التي ننزح بهاس، أنا متزوجة ولدي طفلة نازحة مع أهلي، الناس الذين نزحوا رأوا الموت في الطريق”.
تكمل ماجدة قائلة “كامرأة سورية أواجه الكثير من الضغوطات، الأكثر إزعاجاً منها هي الضغوطات الاجتماعية، مع هذا أنا أقول إن الإرادة فوق كل شيء، كما لدي صعوبة كبيرة لأنني أقيم في مدينة الباب واضطر للقدوم إلى مدينة إدلب، ولدي صعوبة كبيرة جداً بالتوفيق بين رضا العائلة والمجتمع وعملي في المشافي الميدانية ، هناك إرادة وهناك عمل وهناك طموح والمزيد من الطموح إن شاء الله”.
لكن دوافع الصبر لديها كبيرة تتصاعد مع الظروف كما تشير قائلة “تطوعت كممرضة أواخر عام 2011 عند انتقال الثورة من السلمية الى المسلحة ، كنت أدرس وأتابع دورات وأمارس نشاطات.
أنا لست من النوع الذي يحب أن يتواجد في البيت ويدعي أنه يسعى للعمل، وضعت في بالي أن أكون شخصاً متعاوناً وفاعلاً في المجتمع.
أواجه بعض المشاكل في البيت، فأقصر في بعض الجوانب الحياتية، وهذا صحيح فلا يوجد أحد كامل، لكن هناك مراعاة وتفهماً للظروف”
وتصف ماجدة المرأة السورية التي عانت النزوح وضغوطات الحياة والقصف وكل الظروف الصعبة بالمرأة الحديدية، تعبيراً عما قدمته هذه المرأة طوال أعوام من عمر الثورة.
أما لين السلامي ، فهي متطوعة أيضاً في المشافي الميدانية وتتبع لقطاع مدينة الباب ، هُجرت منذ أربعة سنوات من مدينة حلب بسبب الأوضاع الصعبة، والقصف الممنهج الذي طالها في ذاك الوقت ، وكون المنطقة لم تعد فيها الحياة ممكنة “أنا طالبة جامعية في كلية طب الطوارئ والإسعاف وأهلي موجودون معي ، وأنا كفتاة عاملة في الوقت الحالي المعيل الوحيد لأسرتي، كونه في الظروف الحالية الشباب لم يعد لديهم فرص للعمل، ولدي أبي وأمي وأختان وأنا المعيلة لهم في الوقت الحالي”.
وكما كل النساء في الشمال السوري تتعرض لين لضغوطات كبيرة بسبب القصف والوضع الراهن، وتقول أيضاً “نحن كمجتمع شرقي مهما كان نوع العمل الذي تقوم به المرأة فهي تكون محط أنظار الناس وانتقاداتهم والضغوطات تجاهها، ونحن بالنسبة لعملنا في المستشفيات، الذي يتطلب منا التواجد في أماكن حساسة وحرجة، دائماً نتعرض للنقد من المجتمع بأننا نختلط مع كل فئات المجتمع، وهذا يسبب لنا الكثير من الضغط”.
تكمل “أحب أن يصل صوتي عن الصورة الحقيقية عن الممرضة ، فنحن نعمل في منظمة إنسانية ومن واجبنا محاكاة كل فئات المجتمع، رجالا ونساء، ونقدم المساعدة التي نستطيع، وفي المجتمع الشرقي العمل في المنزل هو من واجبات المرأة، أما في الوقت الحالي فيفرض علينا جميعا العمل في المنزل وخارجه، مع كل هذا نحن نبقى مضطهدات، فضلاً عن أن الحرب أوجبت علينا حماية الناس والأطفال، ومسؤولية تأمين التعليم للأطفال حتى لو كان علينا أن نعلمهم نحن، لم يعد هناك مدارس آمنة نرسلهم إليها، فالأم من واجباتها أن تكون المعلم لأطفالها، وأن تؤمن لهم الرعاية الصحية والتعليمية، وكل هذا مسؤولية الأم حصراً، وهذا ينطبق بشكل عام على كافة النساء السوريات”.
فالنساء والفتيات السوريات لم يقعن ضحايا للنزاع بشكل عارض، بل كنَّ وعلى نحو كبير مستهدفات بشكل مباشر، حيث تم استهدافهن إما بسبب مساهمتهن الفعالة في العمل الاجتماعي والإنساني، والسياسي، والحقوقي، والإغاثي، والطبي، والإعلامي، أو لمجرد كونهنَّ إناثاً؛ بهدف تهميشهن وكسرهن، ولقمع المجتمع وترهيبه من عواقب مناهضته للسلطات؛ لما تحتله المرأة من مكانة في المجتمع السوري مرتبطة بأعراف ومعتقدات .
المرأة السورية تعرضت لمختلف أنواع الانتهاكات
إذ وثقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 28ألفاً و316 أنثى، في حين أن ما لا يقل عن 9 آلاف و668 امرأة لا تزال قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري ، وكما سُجِّل وجود ما لا يقل عن 11ألفا و523 حادثة عنف جنسي، ارتكب النظام السوري 8013 منها .
وبحسب التقرير فقد تعرضت الإناث في سورية -طفلات وبالغات- لمختلف أنماط الانتهاكات من القتل خارج نطاق القانون والاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإعدام، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي، والتشريد القسري، والحصار، والحرمان من الرعاية الصحية والخدمات الأساسية، ووصلت العديد من هذه الانتهاكات وخاصة القتل والتعذيب والإخفاء القسري إلى معدلات هي الأسوأ في العالم.
وفي هذا السياق أكدت التقارير من الشبكة السورية لحقوق الإنسان و لجنة حقوق المرأة ، النزاع المسلح الداخلي فرضَ على السوريات تغييراً ثقيلاً، فقد تسبَّبت الحصيلة المرتفعة من حيث القتل والاختفاء بحق الرجال في المجتمع، في انتقال عبء إضافي إلى المرأة، حيث ارتفعت نسبة الأُسر التي تُعيلها السيدات، وبالتالي لعبت السيدات دوراً جديداً يُضاف إلى أدوارهنَّ الاعتيادية، وخضعن بالتالي إلى ظروف مركَّبة يصعب التأقلم معها؛ لأنها تفوق في كثير من الأحيان قدراتهن وإمكاناتهن المادية والمعنوية.
وطالبت النساء السوريات مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار ملزم خاص بالحقوق الأساسية للمرأة، يحميها بشكل قطعي من عمليات القتل العشوائي، وضدَّ أي اعتداء على شرفها، ولا سيما ضدَّ الاغتصاب، والإكراه على البغاء وأي هتك لحرمة الإناث.
محمود معراوي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع