تعدّ المدينة الجامعية في جميع دول العالم ملاذا يقصدها طلاب وطالبات الجامعات من المدن البعيدة للمكوث فيها وقضاء فترة الدراسة، كونها محمية وآمنة وتتوفر فيها سبل راحة الطالب من تدفئة وكهرباء وماء وقاعات للدراسة، وبتكلفة مادية رمزية.
وكانت المدن الجامعية الأربع في سوريا (دمشق، حلب، تشرين، البعث)، تستوعب عددا كبيرا من الطلاب وبكافة الاختصاصات سواء العلمية التي تتطلب دواما بشكل يومي أم للكليات الأدبية، وذلك بالتنسيق مع إدارة الجامعة، إلا أن الحرب غيرت من هيكلة تلك المدن ومن ساكنيها.
ولعل جامعة حلب خير مثال عن ذلك، فمنذ بدء المعارك في مدينة حلب وسيطرة الثوار على بعض من الأحياء، استقبلت المدينة الجامعية مئات العائلات النازحة من مناطق الاشتباكات بحكم أنها خالية من الطلاب بفترة العطلة الصيفية، ومنذ ذلك الوقت والمدينة مخصصة للنازحين.
“بيان” طالبة جامعية تدرس في كلية الهندسة المعمارية من مدينة إدلب تقول:” كنت في السنة الأولى أسكن في المدينة ووفرت على عائلتي الكثير فتكلفتها 2500 ليرة للسنة الدراسية، ومع تواجد النازحين فيها لم يعد لنا مكان، والإيجارات في المناطق القريبة من الجامعة مرتفعة كثيرا قد تصل إلى 70 ألف في الشهر، ما أجبرني على إيقاف تسجيلي وانتظار الفرج الذي يبدو بعيد المنال، لست الوحيدة التي توقفت عن الدراسة، فمئات الطلاب حالهم كحالي غير قادرين على دفع الإيجارات الباهظة”.
ونظرا لكثرة الشكاوي من الطلاب، طالبت إدارة المدينة الجامعية في حلب النازحين المتواجدين فيها في صيف 2014 بإخلاء السكن خلال مدة محددة، إلا أنها على ما يبدو كانت مجرد زوبعة لإيهام الطلاب أنهم حريصون على مصالحهم، وكالعادة كان النازحون الذين لا يملكون دعما هم الضحية، وتم إفراغ وحدتين سكنيتين من أصل الـ19 وحدة للطلاب، وتم تخصيص وحدة للإناث ووحدة للذكور، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، من هم الطلاب الذين سيحظون بفرصة السكن من بين الألوف؟.
ومن يقطن في حلب يدرك تماما أن الوحدات السكنية في المدينة أصبحت ثكنات عسكرية لشبيحة النظام، التي اتخذت أسطحتها مكانا يتمركز فيها القناصون لارتفاعها العالي، “ياسمين” نازحة من حي صلاح الدين وتقيم في المدينة الجامعية مع عائلتها تقول:” تعبنا من مضايقات الشبيحة والمداهمات شبه اليومية للوحدات بحجة حرصهم على سلامتنا، فضلا عن مشاهد الانحلال الأخلاقي التي تحدث في حدائق المدينة وبين أزقتها علنا دون أن يخشوا شيئا، فهناك كثير من الطالبات تركن المدينة الجامعية بعد كثير من الواسطات لقبولهن، خوفا على سمعتهن بعد أن أصبحت المدينة ملتقى للعشاق بعيدا عن القيم الأخلاقية التي يجب أن تتصف بها تلك الأمكنة”.
أصبح الوضع التعليمي في سوريا كارثيا مع امتداد عمر الأزمة وارتفاع نسبة الطلاب الذين تركوا مقاعدهم الجامعية وبالأخص الذكور خشية الاعتقال، في وقت تحولت المدينة الجامعية وباحاتها ملجأ للنازحين ومقرا للشبيحة، فحريٌّ بالنظام أن يجد حلا أو مكانا آخر يأوي فيه النازحين ويفرغ تلك الوحدات لخدمة الطلاب كي لا يضطروا لدفع مبالغ كبيرة لقاء الإيجارات أو يجبروا على ترك جامعاتهم.
المركز الصحفي السوري – سماح الخالد