عاد مؤشر اللاجئين السوريين القادمين إلى الأردن، للارتفاع؛ في دلالة ذات مغزى على ما تشهده المناطق الحدودية مع سورية من حركة نزوح كثيفة في الآونة الأخيرة، حتى إن أعداد المحتشدين في المنطقة الحرام بين البلدين تجاوزت حاجز الستين ألف لاجئ.
وحسب تقرير “الغد”، بلغ عدد اللاجئين الذين سمح لهم بالدخول حوالي 11 ألفا منذ مطلع الشهر الماضي وحتى يوم أول من أمس.
من بين مصادر التهديد المختلفة، يشكل ملف اللاجئين على الحدود هماً يوميا للسلطات الرسمية وقوات حرس الحدود. ورغم الإجراءات المتخذة لتقنين سياسة الحدود المفتوحة، لا تستطيع سلطات الحدود تجاهل المعاناة الإنسانية لعشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمرضى. وتعمل جاهدة لمساعدة هؤلاء، من دون إخلال بشروط الأمن.
لأشهر قليلة مضت، كان يمكن أن يكون الوضع على الحدود أكثر سوءا، عندما بدأ نحو 170 ألف لاجئ سوري بالتحرك من أطراف دمشق صوب الحدود مع الأردن، بعد اشتعال المعارك هناك، والقصف الروسي المكثف لمناطق المعارضة. لكن علاقة الملك عبدالله الثاني القوية مع القيادة الروسية، أنتجت تفاهما تم بموجبه تحييد تلك المناطق خارج دائرة العمليات العسكرية، وفرملة تحرك الكتلة البشرية الضخمة التي يعني وصولها إلى الحدود دفعة واحدة، تحديا كبيرا، قد يدفع بالأردن إلى اتخاذ إجراءات لا يود اللجوء إليها.
لكن العمليات العسكرية الواسعة لم تكن بلا نتائج سلبية؛ فقد تزايدت بشكل ملموس أعداد اللاجئين في المنطقة الحرام، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. ومع اشتعال المواجهات في حلب، زحف ما يزيد على ستة آلاف لاجئ إلى أن وصلوا للحد الفاصل مع الأردن.
حال ما يزيد على ستة ملايين سوري يقطنون في محافظات سورية الجنوبية، ليست أفضل من حال اللاجئين والنازحين. تتوزع السيطرة على تلك المناطق بين قوات الجيش النظامي السوري، والجماعات المسلحة من شتى الأطياف؛ وتخضع بعض البلدات لإدارات محلية ذات طبيعة عشائرية.
غير أن اختلاف أشكال السيادة لا يعني أن أيا من المسؤولين عنها يوفرون لملايين السكان حاجاتهم الأساسية، خاصة المواد الغذائية والأدوية. جميع سكان تلك المناطق الشاسعة يعتمدون، وبشكل شبه كلي، على برنامج المساعدات الدولي، الذي تديره وتشرف عليه السلطات الأردنية.
إنها في الواقع، واحدة من أضخم عمليات الإغاثة في التاريخ؛ إذ تتولى قوات حرس الحدود ومختلف التشكيلات الأمنية والحكومية، تنظيم عمليات مستمرة على مدار الساعة، لنقل وتأمين مرور مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات، إلى مئات التجمعات السكانية في جنوب سورية.
ولإنجاز مثل هذه العمليات اللوجستية الضخمة في بيئة أمنية شديدة الخطورة، يتولى جيش من الضباط والجنود والمختصين التنسيق مع المنظمات الإنسانية والهيئات التابعة لبرنامج الغذاء العالمي، وغيرها، لضمان نجاح الخطط.
من الناحية العملية، يعني ذلك كله أن الأردن يخدم مناطق سورية يعادل سكانها عدد المواطنين الأردنيين داخل المملكة.
وبالرغم من أن المنظمات الدولية هي التي تتكفل بكلف المساعدات، إلا أن الأردن يتحمل في المقابل كلفة باهظة لقاء إدارة العملية، وتوفير متطلبات نجاحها.
كان يمكن لهذه السياسة الهادفة إلى تأمين احتياجات السوريين في مناطقهم، أن تخفف من كثافة اللجوء إلى الأردن. وقد حققت هذا الغرض بشكل مثالي طوال الفترة السابقة. إلا أن انهيار الهدنة فيما مضى، وإخفاق القوى الدولية في الحل السياسي للأزمة السورية، يبقيان الأردن ودول الجوار تحت تهديد اللجوء السوري إلى أجل غير مسمى.
الغد الأردنية