لم تكن العاصفة “أورسولا”، التي تضرب لبنان منذ يوم الإثنين، أقل ضررا على مخيمات اللاجئين السوريين في منطقة البقاع، شرقي البلاد، فهي كسابقاتها تسببت في اقتلاع عدد من الخيام البلاستيكية بفعل الرياح القوية، والسيول الموحلة، في حين لم يجد الأطفال وكبار السن إلا القليل لدرء البرد عن أنفسهم.
أحد المخيمات في بلدة “حوش الحريمة” في منطقة البقاع، يلخص الحالة المأساوية التي يعيشها هؤلاء اللاجئون في خيامهم البلاستيكية التي اقتحمتها المياه، وتطاير بعضها بفعل الرياح، فيما البرد القارس لم يستأذن ساكنيها ليفتك بالأطفال وكبار السن والمرضى، في ظل انعدام المساعدات الطبية والغذائية.
ويروي أحد الناشطين في مجال الإغاثة وشؤون اللاجئين قصة أرملة مسنة مع حفيدتها ذات الثمانية أعوام قائلا “تخرجان كل نهار إلى أشعة الشمس، فهي الدفء الوحيد لهما، وتعودان مساء إلى خيمتهما بكل بؤس لتقضيا ليلتهما الباردة”.
بعض العائلات وجدت القليل من مواد التدفئة، التي تقيها البرد ولو لساعات، مطالبة في الوقت نفسه الهيئات الإغاثية بإيصال المساعدات الشتوية بشكل عاجل إلى مخيمها والمخيمات الأخرى، التي لا تقل حاجة عن مخيم “حوش الحريمة”.
الحاجة أم يوسف تقول “لا حطب، ولا مواد تدفئة موجودة لدينا كي نحتمي من العاصفة وبرودتها”، مشيرة إلى أن “المساعدات الأممية قليلة جدا، بل معدومة”. ووصفت أم يوسف، أوضاع اللاجئين في المخيمات، في هذه الأجواء بأنها “سيئة للغاية”، معربة عن أملها في إنهاء الأزمة التي تعيشها سوريا كي تعود إلى ديارها.
واستمر الطقس العاصف في لبنان حتى يوم أمس الأربعاء، حيث ستغادر “أورسولا” البلاد، بعدما ترافقت مع موجة من البرد القارس، والأمطار الغزيرة، والرياح القوية، لتحلّ محلها عاصفة جديدة أكثر برودة، يوم السبت، تحمل اسم “تل عمارة”، وفقا لبيان صادر عن مصلحة الأرصاد الجوية اللبنانية.
اللاجئة السيدة نوال قالت، وهي جالسة في إحدى زوايا خيمتها برفقة أطفالها عن هذا الوضع الصعب، “البرد أهون من الموت والبراميل المتفجرة والقصف والقذائف”.
وتبتهل اللاجئة منى إلى الله من أجل أن تتحسن الأوضاع قائلة، “وضعنا سيء جدا، ليست هناك تدفئة ملائمة، علي أن أبقي الأطفال في الداخل طوال اليوم في الخيمة لحمايتهم. لا نستطيع الحصول على أشياء كثيرة نحتاجها، كالعلاج مثلا. الأطفال مصابون بالإنفلونزا”.
مائيف مورْفي مسؤولة وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وصفت الوضع بهذه العبارات “قضاؤهم كل هذا العدد من الأعوام هنا يعني أنهم يواجهون مخاطر متزايدة، فكل مدخراتهم استُنزِفت، والعديد منهم انتقل إلى المخيمات لكونها أرخص ثمنا بدلا من الإقامة في الغرف والشقق في المدينة. وهؤلاء غير معتادين على مثل هذه الظروف، ومن المستحيل تقريبا العثور على وظيفة، وبالتالي فلا مداخيل مالية لهم، وهم تابعون بشكل كامل لوكالات العمل الإنساني”.
يذكر أن أكثر من مليون و200 ألف لاجئ سوري، يتواجدون على الأراضي اللبنانية، غالبيتهم يعيشون في مخيمات عشوائية في مناطق ريفية وجبلية، في مختلف أنحاء البلاد، التي تعاني أصلا من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية عديدة.
ويتخوف اللاجئون من تكرار حوادث الموت بسبب موجة البرد الشديدة حيث تنخفض الحرارة إلى ما دون الصفر، كما حصل في عاصفة اليسكا التي ضربت سوريا ودول الجوار العام الماضي وتسببت في وفاة أكثر من عشرين شخصا معظمهم من الأطفال.
بالإضافة إلى الأمطار والثلوج يحمل الشتاء مشاكل أخرى، فاللاجئون في المناطق البعيدة التي تعزلها الثلوج لا يمكنهم الذهاب إلى المتاجر لشراء أطعمة أو مياه. وتتجمد مياه الشرب في الخزانات وتتحول مياه الصرف إلى مشكلة، ويصبح من السهل تفشي الأمراض.
وقالت اللاجئة أم حسين٬إن مطالب النازحين السوريين الوحيدة في فصل الشتاء “مدافئ ومشمعات بلاستيكية تمنع دخول مياه الأمطار إلى داخل المخيمات والخيم٬ حيث ينام أطفالنا وأهلنا”. وأضافت٬ “نحن نعيش هنا بحسرة كبيرة٬ وواقعنا مؤلم جدا٬ والبرد يلفحنا من كل صوب في هذه الحياة المزرية التي انتهينا إليها بفعل فاعل (لم تسمه)، وأسأل الله أن ينتقم منه”.
صحيفة العرب