جاء برد الشتاء هذا العام مع لهيب الأسعار ليثقل كاهل المهجرين واللاجئين ويفقدهم كثيراً من حاجاتهم الضرورية للبقاء على قيد الحياة، مما يدفع الرجل للبحث عن أيّ عمل وإن كان خطراً ليؤمّن لقمة العيش لصغاره.
عبد الله لم يدخل عامه الثلاثين بعد، متزوج ولديه طفلان جميلان، يلاعبان ضيوفه، أرغمه بطش النظام على ترك والديه مع بقية أخوته للذهاب إلى تركيا والبحث عن لقمة رزق حلال له ولأهله.
يروي عبد الله قصته عن وصوله عينتاب والعمل دون أجر في سبي أن يتعلم مصلحة تمكّنه من جني يومية أفضل من العامل العادي، وبقي طوال سنة على هذا الحال يأكل وينام بورشة الإنشاءات التي يعمل بها دون ادخار ليرة واحدة تسدّ حاجة أبويه وشقيقاته الصغار شمال سوريا.
أنهى عامه بعد أن أصبح معلماً في مجال الإنشاءات مما جعل “الأوسطا” يحدد له يومية مقبولة، لكنه فضّل الذهاب إلى إزمير فهناك اليوميات أفضل كما يقول، حيث وجد منزلاً بطابق تحت الأرض لا يقي مياه السيول التي لطالما غمرت أرضيته.
كان يخرج عبد الله قبل طلوع الشمس بعد أن تجهّز له زوجته طعام الإفطار الذي لا يتناول منه سوى القليل، ليخرج وسط الظلام والبرد الشديد الذي يأكل من جسده المترنّح تحت غزارة الأمطار ويداه ترتجفان تحكيان قساوة ظروف العمل إذ لا يوجد له تأمين أو تعويض في حال إصابته لا قدّر الله.
وكونه المعيل الوحيد للعائلة ولأهله بسوريا، يتطلب منه زيادة الجهد والكفاح لتأمين طعام وشراب الأطفال بالإضافة لدفع فواتير البيت والإيجار.
يشير إلى أنّه يعمل دون كلل رغم شعوره بالحزن لأنّه لا يستطيع الجلوس مع زوجته وأطفاله الذين يششتاق لرؤيتهم يركضون للحصول على الحلوى التي يحضرها لهم في طريق عودته، ويقول بحرقة “اليوم الذي لا أذهب فيه للعمل وإن كنت مريضاً سيتسبب باستغناء الأوسطا عنّي”.
يقضي عبد الله حياة كدّ وتعب، كما يصف، ويردد قائلاً والحسرة تعلو ملامحه “ما قيمة الحياة وأنا لا أعرف وجه أطفالي إلا وهم نيام، ولا أسمع صوتهم ينادون “بابا”، فهو يعود متأخراً يتناول وجبته البسيطة ليحاول لملمة قواه المنحلة من جديد لأجل الاستيقاظ ليوم عمل شاق آخر.
يذكر أنّ حوادث إصابات كثيرة تعرض لها لاجئون سوريون في بلدان اللجوء، أدّى بعضها إلى مقتلهم أثناء عملهم في سبيل الحصول على طعام أطفالهم مع قلّة الدعم الدولي للاجئين.
قصة خبرية بقلم طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع