يحتفظ الأهالي بريف إدلب بعادة شرب القهوة العربية في مجالسهم، كتعبير عن كرم الضيافة والاحتفاء بالقادمين، وهو عرفٌ توارثه أبناء العشائر والقبائل عن آبائهم وأجدادهم رغم النزوح والتهجير، وقسوة العيش التي يعانونها في مناطقهم التي قدموا إليها بحثا عن الأمن والأمان.
خيام تفوح برائحة القهوة العربية
يجتمع أقارب أبي جاسم كل مساء من أيام رمضان في مخيم تل فخار قرب سرمدا داخل خيمته المتواضعة، لتبادل الأحاديث وتقاسم المعاناة بعد رحلة نزوح طويلة عن منازلهم بريف إدلب الشرقي نهاية العام ٢٠١٩ جراء حملة قوات النظام، لتفوح منها رائحة القهوة المرة المحمصة والمطبوخة بحبات الهال في جميع أرجاء المخيم، والذي تقطنه ١٥٠ عائلة إيذانا لكل راغب بالمشاركة على أنغام الربابة التي طالما تمسك بها المهجرون.
طريقة تحضير القهوة العربية
يعكف أبو جاسم كل عدة أيام على طبخ القهوة بعد جلب البن الأخضر من مدينة سرمدا عن طريق “المحماص” على نار الحطب، ومن ثم يقوم بتبريدها وطحنها في “المهباش” الذي يُسمع صوته بين الجالسين، ليجدد فيهم ذكريات القرية ثم يقوم بعدها بوضعها في إناء “المطباخ” مع الماء ووضعها على النار لمدة ساعتين أو ثلاثة وفق الكمية، ثم يتم وضعها في الدلة أو ما يسمى بالقمقوم ومن ثم نقلها للمصب الذي يتم فيه تقديم القهوة بعد إضافة حبات الهال المطحونة، لإضفاء نكهة القهوة المتعارف عليها والتي لا تطيب بدونها.
كما قال سلطان الشحادة من بلدة المريجب شرقي إدلب، والذي يقطن في مخيم للنازحين قرب قرية كللي: “نجيب القهوة ونطبخها لحتى تستوي ونصفيها ونرجع نثني عليها “ثنوة” الأولى – بجرة- لحتى تصير للزينين طيبة”.
طريقة تقديم القهوة وأنواع فناجينها
يقوم أبو جاسم بتقديم القهوة ضمن العرف السائد من يمين الحاضرين، ماسكا مصب القهوة بيده اليسرى والفنجان باليد اليمنى، بعد شرب فنجان الهيف وهو الفنجان الأول والذي يرمز إلى أن القهوة خالية من أي شيء مضر، أما الفنجان الثاني فنجان الضيف والثالث فنجان الكيف.
ويقول أبو عبدو نجل أحد وجهاء منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي في فنجان الكيف: “مالها عدد محدد بدو يضل المعزب يصب لحتى يهز الضيف الفنجان، دلالة على الاكتفاء، أما الفنجان الرابع فهو فنجان السيف “الحيف”، لم تجر العادة كما في منطقة البادية و أبناء العشائر الجزيرة السورية عندما يحل أحد الأشخاص عند شيخ العرب للفزعة ويرفض شرب القهوة، والتي تعتبر وسيلة لقضاء الحاجات عند الوجهاء.
كما أفاد أبو عبدو “بارتباط عادة ضيافة القهوة بمناطقهم عدا عن الأفراح والأحزان والجاهات والمصالحات وحل نزاع بالمنطقة أو خارجها، بالجلسة اليومية في مضافة الوالد للأقارب والأصدقاء الذين يأتون على امتداد قرى سهل الغاب من بلدة سقيلبية وقلعة المضيق جنوبا إلى جسر الشغور والقرقور شمالا قبل النزوح.
أدوات صنع القهوة موروث شعب لايمكن التفريط فيه
يكمل أبو عبدو حديثه فيقول: “أفضل مع أخوتي أن تهترئ أدوات صنع القهوة وعلى رأسها المنقل والدلال والمهباش والمحماص والمطباخ، على أن نبيعها رغم المعاناة ومرارة النزوح، بالرغم من أن بيوت التهجير صغيرة، إلا أننا نحافظ عليها كأنها أحد أبنائنا لأنها ارتبطت بجذور العائلة عبر الأجيال، التي حرصت على تقديمها بمضافات القش لأن ما تربينا عليه لا يتغير مهما تغيرت ظروف الحياة.
تاريخ شرب القهوة العربية
ارتبط شرب القهوة العربية بحسب المؤرخين في المناطق السورية منذ القدم بحركة التجار بين بلاد الشام ودول الخليج ومصر، والذين ارتبطوا بعلاقات تجارية مماثلة مع بلاد الحبشة في اليمن، وتم على إثر ذلك نقلها إلى بلاد المنطقة العربية لتختلف بمسمياتها عند أهل الخليج المتعارف عليها بطريقة تحضيرها بأنها خفيفة مائلة إلى اللون الأصفر و تسمى بـ الشعيلة، وفي بلاد الشام مائلة للسواد أكثر ومتعارف عليها بـ المرة.
ورغم الحرب تبقى العادات والتقاليد والعرف العشائري وضيافة القهوة ملاذ الكثيرين من أبناء المناطق السورية بالشمال السوري المحرر، لحل الخلافات وإقامة أواصر العلاقات على المحبة والتسامح رغم محاولة الكثيرين تعكير صفو المنطقة.
تقرير خبري – نضال بيطار
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع