أجبر قرار الأكراد إعلان الحكم الذاتي شمال سوريا، العديد من الأطراف المتحاربة في البلاد على رفض القرار، وأثار إعلان الفيدرالية مناقشات حادة في جنيف التي لا تزال تراوح مكانها دون أي تقدم.
وتوافقت آراء سياسيين أكراد في سوريا، حول رفض الفيدرالية، واعتبرتها خطوة “غير قانونية، ولا تمثل الأكراد، ولا تتمتع بأي توافق سوري وطني”، فضلا عن أنها “جاءت لمصلحة النظام، وتخفيف الضغط عنه”، رغم أن النظام السوري أيضا أعلن رفضه لهذه الخطوة وقال إنها تشكل مسا بالوحدة الوطنية.
واعتبر عبدالحكيم بشار، ممثل المجلس الكردي في الوفد التفاوضي التابع للمعارضة السورية، الإعلان أحادي الجانب “ليس فيدرالية، بل هو قرار سياسي متسرع مغامر، ليست للأكراد فيه مصلحة، وجاء لمصلحة النظام، لتخفيف الضغط عنه، وجلب الأنظار إلى اتجاه آخر، لإعادة خلط الأوراق”.
ولم يلق إعلان الفيدرالية قبولا على الصعيد المحلي من قبل الحركات السياسية العربية والكردية والتركمانية، كالهيئة العليا للمفاوضات (معارضة) والمجلس الوطني الكردي والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وتحالف العشائر العربية التركمانية، والمجلس التركماني السوري، وأكد جميعهم في بيانات أصدروها “وحدة الأراضي السورية، ورفضهم لممارسات التنظيم في إجراء تغير ديموغرافي”.
وأعرب نائب رئيس تحالف العشائر العربية التركمانية، عمر دادا، عن رفضهم إعلان الاتحاد الفيدرالي، في مناطق سيطرة شمالي سوريا، من جانب واحد، مؤكدا “عدم سماح التركمان بتقسيم أراضي سوريا”.
وأكد دادا (ممثل التركمان في التحالف)، دعمهم وحدة الأراضي السورية، ورفضهم إعلان “ب ي د” (الذراع السورية لمنظمة بي كا كا) للفيدرالية، قائلا “لا يمكننا أن نقبل الفيدرالية ولا تقسيم سوريا بأي شكل من الأشكال، ما لم يصدر من الشعب السوري قرار بهذا الشأن، عبر انتخابات ديمقراطية، عندها نحترم ذلك القرار”.
وأشار دادا إلى أن العرب والتركمان والأكراد في سوريا، يعيشون منذ سنوات طويلة مع بعضهم وسط أجواء من الأخوة، مضيفا أن “المناطق التي يريد التنظيم إقامة فيدراليات فيها يقطنها التركمان، ويخطط التنظيم لاستقدام إرهابييه من جبال قنديل (شمالي العراق) ومناطق أخرى، وإسكانهم في مناطقنا”، على حد تعبيره
من جانبه، قال محمود سليمان، قائد “لواء السلطان مراد” (من الفصائل التركمانية)، “لا تستطيع بي كا كا، إقامة كانتونات لها في سوريا، لأن شعوب تلك المناطق لاتسمح لها بذلك”.
ووصف سليمان مخططات “بي كا كا” في إنشاء كانتونات بالـ”الخيال”، مضيفا “أن شعوب المناطق الشمالية لسوريا من عرب، وتركمان وشركس وأبناء جميع القوميات والطوائف لن تقبل بذلك”.
وكانت مجموعة من العشائر العربية والتركمانية بمحافظات الرقة ودير الزور والحسكة، اجتمعت يوم 7 ديسمبر الماضي، بمدينة شانلي أورفة التركية، وأعلنت في بيان لها، تشكيل “تحالف القبائل والعشائر العربية التركمانية” بهدف محاربة قوات النظام، وحلفائه من الميليشيات الكردية وتنظيم “داعش” الإرهابي.
ويعاني السكان العرب والأكراد والتركمان المقيمون في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم “ب ي د”، من الإجراءات التعسفية التي يمارسها التنظيم، من تهجير، واعتقالات، وإجبار على القتال.
وقال غياث الديك، رئيس المجلس المحلي لبلدة منغ (شمالي حلب) التي سيطر عليها التنظيم منذ فبراير الماضي، “إن البلدة والقرى المحيطة بها تعرضت لأضرار كبيرة بسبب القصف الروسي، وهجمات التنظيم (ب ي د)، الذي هجَّر السكان ونهب المنازل”، مبينا أن “لا أحد من المدنيين النازحين في العراء، يرغب في العودة إلى البلدة لأنهم يرون أنَّ التنظيم جزء من النظام (السوري)”.
من جانبه قال أحمد رُسلان، زعيم عشيرة تركمانية في حلب، إنَّ الفيدرالية التي أعلنها “ب ي د” لن تنجح، مشيرا إلى أن التنظيم “سيطر على بلدة شيوخ، غربي مدينة جرابلس، وأجبر كامل سكانها على ترك منازلهم”. وكشفت مصادر محلية، أنَّ التقدم الذي حققه التنظيم على الأرض، وبدعم روسي من الجو، في ريف حلب الشمالي أجبر 230 أسرة على ترك منازلها.
وسلّطت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الضوء على ممارسات التنظيم في تقريرين، وذكرت فيهما أنَّ التنظيم قتل منذ بدء العمل المسلح في سوريا 416 مدنيا، بينهم 44 امرأة، و61 طفلا، و3 عاملين في القطاع الصحي، وناشطين إعلاميين اثنين، فيما قضى17 من القتلى تحت التعذيب حتى الموت. وذكرت الشبكة أن “ي ب ك” (الجناح العسكري لتنظيم “ب ي د”) خطف بين مطلع 2014 وأكتوبر 2015 في مناطق سيطرته، 34 طفلا، و88 امرأة، ودمر في محافظة الحسكة 30 بلدة، معظم سكانها من العرب، وأجبر الآلاف على ترك منازلهم.
وكانت منظمة العفو الدولية “أمنستي”، أعلنت في تقرير أصدرته بتاريخ 13 أكتوبر 2015، أنَّ تنظيم “ب ي د” ارتكب جرائم حرب، وقام بعمليات تهجير للمدنيين العرب والتركمان في شمال سوريا.
بدوره قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، وليد جنبلاط في سلسلة تغريدات عبر حسابه على تويتر “لا تعلن الفيدرالية من جانب واحد، إنها توافق مكونات عدة، إن إعلان أكراد سوريا الفيدرالية هو بداية تقسيم سوريا، لكن اللوم الأول والأخير يقع على النظام السوري الذي منذ اللحظة الأولى من الانتفاضة السلمية استشرس في القتل والقمع ومن ثم التدمير والتهجير إلى أن أوصل سوريا إلى هذا الحال”. وأضــاف “كان شعار النظام إما نحن وإما هم حتى ولو كلَّف الأمر مليون قتيل، وبعد سنة وسنوات من حرب أهلية طاحنة دخلت القوتان الكبريان على الخط، أميركا وروسيا، لإعادة النظر في وحدة القطر السوري، وكأن التاريخ يعيد نفسه”.
وتابع رئيس اللقاء الديمقراطي “في الأمس سايكس وبيكو أما اليوم فلافروف – كيري، لكن لا تنسوا بلفور الحاضر الدائم، وبدأت معالم التقسيم من البوابة الكردية. وللتذكير فإن سايكس وبيكو منذ مئة عام طرحا تقسيم تركيا أيضا”.
وأشار جنبلاط إلى أن سوريا المفيدة، المفيدة للنظام وحلفائه طبعا، سوريا التي عرفناها انتهت، متسائلا “ماذا يحمل المستقبل من مفاجآت جديدة؟ لست أدري. إن الحفاظ على لبنان الكبير أكثر من ضرورة”.
العرب