رحلة الفقر بدأت وهي لا تدري كيف بدأت؟ أهو حلم أم حقيقة؟ لم تتخيل للحظة أنها وقعت ورقة ضعيفة من أوراق الحياة. هذه هي الحقيقة المرة التي لا يستطيع أحد تخيلها رغم بدئها من سنوات عديدة توقعت أن تنتهي قريبًا.
عيناه مليئتان بأوجاع حياةٍ لم يرَ منها إلا القليل، فما زال في الثالثة من عمره، يمشي رويداً رويداً وكأن تحت قدميه بيضٌ يخاف عليها أن ينكسر أو بمعنى آخر لعلّ تحت قدميه سكاكين حادة لا تكاد رجلاه الصغيرتان العاريتان تحمل السير عليها.
عائلة “أم يوسف” هكذا تُعرف في الجوار وبين أهالي المنطقة، وما إن تسأل عن اسمها حتى يجيبك الصغير قبل الكبير، لأن واقعهم السيء ومعيشتهم المتردية كفيلة بأن تجعل منهم معروفين، تقولها “أم يوسف” وهي ساندة ظهرها على حائطٍ على يوشك على الانهيار: “يقولون سيط غنى ولا سيط فقر، ولكن الفقر بات يأكلنا والعزة لله”.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/460968595831900/?extid=WA-UNK-UNK-UNK-UNK_GK0T-GK1C&ref=sharing
عائلة “أم يوسف” عائلة نازحة من منطقة الرستن بريف حمص، تقيم في بلدة كفر عروق بريف ادلب الشمالي ، وتعاني من تردي وضعها المعيشي نتيجة تعرض رب الأسرة للاعتقال من قبل قوات النظام في صيف عام 2012 .
اعتقال الزوج
أين زوجك ولِمَ تمّ اعتقاله؟ حيال هذا السؤال تقف “أم يوسف” لبرهة قبل أن تجيب، تحاول القول بنفسٍ واحد لكن الألم جعل من إجابتها متقطعة “كان يعمل زوجي سائق شاحنة، وخلال دخول النظام إلى منطقة الرستن قاموا باعتقاله بتهمة الانتماء للجيش الحر ”.
“أم يوسف” لا تعرف مصير زوجها وما حل به: “لم ادخر اي جهد بالبحث عن زوجي في الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري في حمص ، لكن دائماً كنت أفشل بالحصول على المعلومات ، وبقيت على هذا الحال حتى يئست في معرفة مصيره ، أهو على قيد الحياة أم أنة في رحمة الله كما هو حال أغلب من عاش في هذا البلد المشؤوم في ظلّ حكم نظام الأسد .
“أم يوسف” أنا الآن لا أملك شيئًا غير هذا الجسد، وحتى هذا من الممكن أن أفقده قريبًا لأن مصدر بقائه نفذ كليا، الجوع، الألم، الإحباط، التشريد والضياع، كلها مجتمعة تحاصرني في دائرة مغلقة وأنا لا أدري متى ينتهي هذا الحصار.
تقول أم يوسف: أجلس صامتة أفكر في كل لحظة ستأتي هل هنالك أمل؟ أم لم يعد هناك أي مكان للأمل؟ إنسانة أنا ضاعت مني الكثير من الحقوق بل أبسط الحقوق.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/902611191129318
أتجول في الشارع وأرى كيف أن الناس يمشون سعداء منهم من يضحك ومنهم من يشتري حاجياته، وعندها أتذكر بأنني فقدت هذه الأمور كلها منذ زمن طويل ولا أدري إنني أريد العودة أم لا.
أطفالها الصغار الأربعة أنهكتهم مرارة الحياة في وقتٍ كان يفترض بهم أن يكونوا بين ألعابهم، يلعبون ويمرحون مع أصدقائهم، يأكلون طعاماً صحياً يقوي مناعة أجسادهم الضعيفة، ولكنهم يعملون باعة جوالين ليساعدوا أمهم التي تعمل في الكثير من الأحيان بتنظيف البيوت، وتعيش في أوقاتها الصعبة على ما يقدمه لها الجيران.
ينظر بتمعن إلى أمه وهي تتحدث، نعم إنه خالد الصغير ولي عرشٍ دمرته قوات النظام السوري، بنبرةٍ لا تخلو من التفاؤل والعزيمة “عم نشتغل لنساعد أمنا ما عم نشحد”.
“أم يوسف” تعدّ نموذجاً حياً لآلاف الأمهات اللواتي لم يسلّط الضوء عليهن وعلى ما تعانينه يومياً في سوريا، أكبر أحلام شعبها التخلص من نظامٍ قَبِلَ موتهم ورفض ترك السلطة.