عربي21- بلال ياسين
نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا لمراسلها في واشنطن، ديفيد سميث، اعتبر فيه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “سيعود إلى سياسة الترهيب والتخويف من الأجانب”، بعد أن أصبحت خطته الأساسية للفوز بفترة ثانية مهددة بالفشل.
ويوضح الكاتب أن ترامب كان ينوي قيادة حملة انتخابية تقوم على اقتصاد قوي وضد خصم اشتراكي (في إشارة إلى بيرني ساندرز)، لكن كلا العنصرين اختفى الشهر الماضي.
إلا أن ترامب، بحسب التقرير، لا يزال يملك سلاحا فعالا وقويا، وهو “التخويف من الأجانب”، وقد أعلن هذا الأسبوع وبتغريدة نشرها في ساعة متأخرة من الليل، إنه “سيعلق مؤقتا الهجرة” إلى أمريكا.
وبعد يومين وقّع أمرا رئاسيا يقضي بتعليق طالبي البطاقة الخضراء الذين يخططون للإقامة بشكل دائم في أمريكا، وليس العمال الذين يقيمون بصورة مؤقتة. ويظل أمره مليئا بالثغرات، يضيف “سميث”، لكن مع توقيعه كان قد تصدر بالفعل عناوين الأخبار، وانتشر السخط وحقق ما يريد: فترامب يقوم بملاحقة المهاجرين لأنه كما يزعم يضع أمريكا وعمالها أولا، وهي نفس الرسالة الشعبوية التي تضع أهل البلد في المرتبة الأولى والتي كانت سببا في فوزه بانتخابات عام 2016.
واليوم يقول النقاد إن ترامب مستعد لإثارة المشاعر القومية والعنصرية من أجل إدارة حملة انتخابية وسط تأخره في التعامل مع وباء فيروس كورونا وتراجع الإقتصاد الأمريكي.
وتنقل “الغارديان” عن خوان كارتغينا، مدير “لاتينو جاستس”، وهي منظمة حقوق مدنية، قوله: “هذا رئيس لا يستخديم التلميح في الحديث عن قضايا العرق كما فعل الديمقراطيون في الماضي.. بل يتحدث عنها بشكل مفتوح، وفي الظروف العادية فهو رئيس لفترة واحدة ولكن قاعدته موالية له ونحن نتحدث عن بلد لا تزال نسبة المشاركة الانتخابية فيه متدنية”.
وبعيدا عن كراهيته للعولمة، فترامب رجل بدون معتقدات سياسية مع قليل من الأيديولوجية، بوصف الكاتب، فعندما هبط المصعد المتحرك في برج ترامب بنيويورك في حزيران/يونيو 2015 ليعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، بدأ ما أصبح عادة بانتقاده المكسيك، التي قال إنها لم ترسل أفضل أبنائها إلى أمريكا، بل “المخدرات والجريمة والمغتصبين”.
وأعلن ترامب آنذاك أنه سيبني جدارا “وصدقوني لا أحد يبني جدرانا مثلي وسأبنيها بدون كلفة عالية، وسأبني جدرا عظيما جدا على الحدود الجنوبية وسأجعل المكسيك تدفع ثمن بنائه”.
وما تبع ذلك حملة نارية تحول فيها شعار “ابن الجدار” إلى لازمة في التجمعات الانتخابية التي هاجم فيها باراك أوباما وقاعدته الشعبية، كما هاجم قاض من أصل مكسيكي وجنديا مسلما قاتل في حرب العراق وقتل، وهدد بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة. ورفع شعار “أمريكا أولا”.. وفاز.
وبعد عامين عاد ترامب، في حملات انتخابية نيابة عن المرشحين الجمهوريين لعضوية الكونغرس، إلى لهجته النارية لإثارة مشاعر الخوف، عندما تحدث عن “قوافل” من المهاجرين غير الشرعيين من غواتيمالا وهندوراس وسلفادور يستعدون لدخول أمريكا عبر المكسيك.
استخدم ترامب، بحسب التقرير، “لغة حية لنزع الإنسانية عن العصابات الإجرامية واستعرض عائلات الضحايا أمام الناس، كل هذا في وقت كان الجمهوريون المحبطون يريدون منه التركيز على الاقتصاد”.
لم تكن استراتيجيته ناجحة بالكامل هذه المرة، فقد وسع الجمهوريون سيطرتهم على مجلس الشيوخ وخسروا 40 مقعدا في مجلس النواب الذي أصبح بيد الديمقراطيين.
وفي البداية كانت حملة ترامب لـ 2020 قائمة على أسس قوية، فقد كان لديه ما يقدمه للمواطنين الأمريكيين عن الاقتصاد والبطالة التي وصلت أدنى معدلات لها منذ نصف قرن وسجلت الأسواق المالية أعلى معدلاتها.
وعلى الساحة الانتخابية، بدا المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز في المقدمة ما قدم لترامب وحلفائه دعاية مجانية بالتحذير من فوز اليسار الاشتراكي.
لكن تلك الديباجات الانتخابية تمزقت، والسبب هو فيروس كورونا المستجد، الذي قتل أكثر من 50 ألف أمريكي، ومن المتوقع أن يزيد عدد وفياته على ما خسرته أمريكا في حرب فيتنام.
ووضع الفيروس الاقتصاد الأمريكي في حالة من الموت السريري بـ 26 مليون أمريكي طلبوا إعانات بسبب فقدان العمل، بشكل أدى لمحو الإنجازات التي سجلت منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وقال ريك ويلسون مؤلف “الترشح ضد الشيطان”، وهو تحليل لما ستسفر عنه انتخابات 2020: “كانت أسس حملة دونالد ترامب تقوم على: الاقتصاد قوي وأنا جعلته كذلك، بالمناسبة، هذا هو اقتصادي القوي، وهل لاحظتم اقتصادي القوي؟ وقد انتهى هذا” وأصبح مسؤولا عن انهيار ما زعم أنه إنجاز عظيم.
وعلى الجانب الديمقراطي بدأ ساندرز يفقد زخمه الانتخابي ضد نائب الرئيس السابق جوزيف بايدن، وهو معتدل خدم في ظل باراك أوباما ومن الصعب تصويره بالاشتراكي.
وأصبح ترامب بدون ذخيرة للقتال ولكنه يستطيع اللجوء إلى سياسة الانقسام والتحزب الغاضب الجاهز لعرضه على التلفاز.
وتحولت بذلك مؤتمراته الصحفية اليومية عن جهود حكومته للرد على فيروس كورونا بديلا عن التجمعات الانتخابية. وشملت بشكل يومي تقارير عن العمل في الجدار، ثم جاء الأمر الرئاسي الذي يحمل بصمات مستشاره البارز ستيفن ميلر كمحاولة لتقديم أفضلية للعمال الأمريكيين على الأجانب في عملية التعافي الاقتصادي المفترضة.
وضرب الأمر على وتر حساس لمؤيدي ترامب، وينقل التقرير في هذا الإطار عن دوغلاس كولينز، 86 عاما، وهو طبيب أعصاب من فلوريدا، قوله: “يجب دفع الاقتصاد للأمام”، معتبرا أن الأمريكيين الذين بالكاد يسدون رمقهم يجب أن تكون لهم الأولوية، “هل هذا تحيز؟ لا أعتقد ذلك”.
وقال دوغ بيلتر، 69 عاما، من مينسوتا: “أن تكون مهتما بالاقتصاد والمهاجرين الذين يأتون ويأخذون الأعمال من الأمريكيين، موقف مشروع، أنا لست متعصبا ولست ضد المهاجرين، وأحترم المكسيكيين والسود، وأعتقد أن الأمريكيين لهم حق الأولوية ويمكن أن تصفني بالوطني”.
وقال بيتلر، وهو إداري متقاعد من قطاع التعليم، إنه حضر تجمعا انتخابيا لترامب، مضيفا: “أعتقد أن ترامب لديه دعم شعبي أكبر مما يظن الناس، ونحن لا نتفاخر وعادة ما نصمت، ولا أضع ملصق ترامب على سيارتي لأنني أعرف أنها ستتعرض للتخريب”.
ولكن المعارضين يرون شيئا آخر، إنهم يرون رئيسا ينهار العالم حوله ويقع في محيط غريب عليه ولهذا يمسك بشريان حياة، أي بالتعصب والعنصرية.
وفي الإطار ذاته، قام حلفاء ترامب بتكثيف الهجوم على الصين واتهموها بأنها لم تدق جرس الإنذار بعد هروب فيروس كورونا من مخبر علمي، وهو زعم تنفيه الصين.
كما يأملون بربط حملة بايدن بالصين وإلصاق نعت “بايدن بكين” به.
ويقول يلسون الذي أسس “مشروع لينكولن” الهادف لمنع إعادة انتخاب ترامب: “ما سيحدث هذا الخريف هو قيام ترامب بفبركة قصة وستكون كالآتي: هناك سفن محملة بالصينين المرضي متجهة نحونا، أقفلوا الأبواب”.
ويجهز الديمقراطيون أنفسهم لحملة شرسة حيث يتوقعون خسارة ترامب الأصوات المباشرة ويأملون بهزيمته في الولايات الرئيسية، بحسب “الغارديان”.
ويقول نيل سروكا، مدير الاتصالات للمجموعة التقدمية “ديمقراطية من أجل أمريكا”: “ما نتوقع حدوثه في 2020 وبسبب تداعي الاقتصاد والفشل في إدارة الأزمة، فإنه سيقوم بمتابعة حملة ترهيب للأجانب تجعل من حملة 2016 تبدو وكأنها لا شيء”.