سلطت صحيفة “الغارديان” البريطانية الضوء على استخدام إيران للاجئين الأفغان في أراضيها، كمقاتلين ووقود للحرب السورية، دعما لحليفها هناك، رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وفي تقرير مراسل الصحيفة في إيران سعيد كمالي ديغان، كشفت الصحيفة أن “إيران تجند اللاجئين الأفغان للقتال في سوريا، مقابل راتب شهري وموافقات للسكن، وتعتبر ذلك واجبا مقدسا لحماية المراقد الشيعية في دمشق”.
وأوضحت “الغارديان” أن لواء “فاطميون” المكون من اللاجئين الأفغان في إيران وسوريا يعتبر الآن ثاني أكبر فصيل مقاتل أجنبي في سوريا دعما للأسد، بعد مليشيا حزب الله اللبنانية، إذ قالت الوكالات الإيرانية المقربة من الدولة في أيار/ مايو أن ما لا يقل عن ٢٠٠ مقاتل في لواء “فاطميون” قتلوا في سوريا منذ بدء الحرب، دون أن يتضح عدد من قتل بعد ذلك حتى الآن.
وادعت إيران طويلا، بحسب الصحيفة، أنها تشارك بدور استشاري في سوريا، عبر إرسال ضباط كبار للإشراف على العمليات، فيما تبين المشاركة الأفغانية أنها تستخدم طرقا أخرى.
وقالت “الغارديان” إن التجنيد يتم بشكل يومي في كل من مدينتي “مشهد” و”قم”، اللتين تضمان أكبر عدد من اللاجئين الأفغان، كما تقبل إيران المقاتلين ذوي الأعمار الأقل من ١٨ سنة، بشرط موافقة مكتوبة من أهلهم، بحسب الصحيفة التي قالت إن لاجئا أفغانيا واحدا مقيما في إيران على الأقل بعمر ١٦ عاما لقي مصرعه في سوريا في وقت مبكر هذا الخريف، في حين لم تكشف عدد التوابيت المرسلة عن مشاركة إيرانية أكبر في الأزمة السورية، بالتزامن مع الضربات الروسية.
وتصف إيران أولئك المقتولين في سوريا بأنهم “مدافعون عن المراقد المقدسة”، بحسب الصحيفة، التي أشارت إلى أن مسجد “أبو الفضلي” الواقع في منطقة “جولشاهر” شرقي مدينة مشهد، في منطقة مكتظة باللاجئين الأفغان، هو مكان تسجيل اللاجئين بشكل يومي للقتال في سوريا.
وفي أحد الصباحات هذا الخريف، اصطف ما يقارب ٥٠ أفغانيا خارج المسجد ليضيفوا اسمهم على القائمة، بشروط بسيطة: إثبات أنهم أفغان، وأنهم غير متزوجين وأن يجلبوا موافقة من أهلهم إذا لم يتجاوزا 18 سنة.
وقال مجتبى جلالي، اللاجئ الأفغاني المولود في إيران ذو الـ٢٤ عاما من مشهد والذي هاجر مؤخرا إلى أوروبا، إن “هذا استغلال فاضح للأشخاص المستضعفين”.
وبالرغم من أن جلالي، المصور المحترف الذي نقلت “الغارديان” بعض صوره لجنازات القتلى الأفغان، ولد في إيران، إلا أنه لم يحصل على جنسية إيرانية كما هو حال أقرانه، إذ يعاني هؤلاء من صعوبات باستمرار التعليم، والحصول على حسابات بنكية، واستلام الأوراق لمغادرة البلاد أو العمل في إيران.
وقال جلالي إن “هذه الحرب التي تقاتلها إيران على حساب الآخرين”، مضيفا أن “اللاجئين الأفغان هم الذين يدفعون ثمن دعم طهران للأسد، وهم الذين يكذب عليهم بدوافعها، فهي ليست دينية، بل سياسية”، معتبرا أن إيران “بدل أن تحمي اللاجئين، فهي تستغلهم”.
وبحسب جلالي، فإن معظم الأفغان في إيران، الشيعة كذلك، ليسوا ذاهبين إلى سوريا على خلفيات دينية، ولكن بسبب المكاسب المادية والاستقرار الذي تجلبه مشاركتهم لهم ولعائلاتهم، من بين مليون أفغاني مسجلين كلاجئين، بينما يعتقد أن العدد الحقيقي يتجاوز المليوني لاجئ يعيشون بشكل غير قانوني.
وظهر الدور الكبير للواء “فاطميون” بشكل مبكر هذا الأسبوع عندما انتشر مقطع مسجل لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، وهو يستذكر ذكرى شخصية يزكي بها المشاركة الأفغانية.
وفي المقطع، يتحدث سليماني عن جندي مقتول مؤخرا يسمى مصطفى سادرزاده، الذي تنكر تحت اسم أفغاني هو سيد إبراهيم، للقتال في الحرب السورية، ويقال أنه قتل في سوريا الأسبوع الماضي.
وبحسب التسجيل الذي فرغت نصه وكالات محلية، قال سليماني: “في دير العدس، جنوب سوريا، سمعت شخصا يتحدث بلهجة طهرانية قوية عبر اللاسلكي، وفي اليوم التالي أشاروا إليه وأخبروني أنه هو هذا الشخص، الذي لم نسمح له بالذهاب، فذهب إلى مشهد وسجل نفسه على أنه بجنسية أفغانية لينضم للواء فاطميون”.وتشكل لواء “فاطميون” في إيران بعد بدء الأزمة السورية عام ٢٠١١ بمساعدة من اللاجئين الأفغان الذين تعاونوا مسبقا مع إيران، وبشكل واضح قبل الاحتلال الأمريكي في ٢٠٠١، وبالرغم من عدم وضوح عدد أفراده، إلى أنه تطور من “لواء” إلى “فيلق”، في وقت مبكر هذا العام، ويتوقع أنه يضم ما بين ١٠ آلاف إلى ١٢ ألف فرد، في حين قالت وكالات إيرانية إن قائده رضا توسلي، قتل في سوريا، الشهر الماضي، ولم يتضح من حل مكانه بعد.
وبحسب الصحيفة، فإن عددا متزايدا من الضباط الكبار في الحرس الثوري الإيراني لقوا مصرعهم في سوريا خلال الأسابيع الماضية، فيما يظهر استعداد إيران لإبقاء تأثيرها الاستراتيجي في البلاد، ففي تشرين الأول/ أكتوبر، قتل حسين همداني، الذي وصف على أنه نخبة وقائد استثنائي بالحرس الثوري الإيراني، في ضواحي حلب.
واستخدمت إيران بعضا من أكثر قادتها كخبراء في سوريا، بحسب مراد ويسي، الخبير بالشؤون العسكرية الإيرانية، كما أظهرت حالات الوفاة الأخيرة أن القادة الإيرانيين يعملون في منتصف الجبهات.
وأضاف ويسي أن “المشاركة الأفغانية شكلت اختلافا كبيرا في إيران، وهي توفر الآن مزيدا من المساعدة لإيران أكثر من أي مجموعة أخرى باستثناء حزب الله”، إذ يستخدم الأفغان لغايات قتالية، بالرغم من أن بعضهم يقوم بأدوار استشارية عالية المستوى.
وسمح للمصور جلالي بأن يصور الجنازات في مدينة مشهد، لأنه كان عضوا من رابطة المصورين التابعة للدولة، إلا أنه اعتقل خلال تصويره لأحد الجنازات، وصودرت كاميرته، فخرج من إيران، سعيا للجوء في هولندا.
ويذكر جلالي بقوله: “كنت أسمع كل يوم عن لاجئين أفغان يذهبون للقتال لأجل إيران وبشار الأسد، وكان هذا سؤالا كبيرا بالنسبة لي؛ لماذا كانوا يذهبون؟”، مضيفا بقوله: “كنت أرى كل أسبوع ما يقارب من ١٠ إلى ١٥ رجل يعودون بأكفان إلى مدينة مشهد، كما أن السلطات الإيرانية تسيء استخدام كلمة شهيد بحسب ما يناسبها”.
واختتمت “الغارديان” مقالها بقول جلالي: “في أحد المرات قال لي صديقي، أحد اللاجئين الذين قاتلوا لأجل إيران في سوريا، إن مشارح طهران مليئة بجثث المقتولين في سوريا”.