بعد سنوات طويلة من النزوح والمعاناة، عاد أحمد محمد (45 عامًا) إلى قريته “خان شيخون” التي اضطر لتركها قبل عشر سنوات بسبب النزاع المسلح الذي اجتاح المنطقة. كانت عودته بمثابة حلم تحقق بعد سنوات من الانتظار والأمل.
في عام 2015، أجبرت الاشتباكات العنيفة أحمد وعائلته على الفرار من قريتهم، تاركين وراءهم كل ما يملكون. كنا نسمع أصوات الرصاص والقذائف تقترب من منزلنا، ولم يكن لدينا خيار سوى الهرب، حمل أحمد وزوجته ثلاثة أطفال صغار، وساروا لمسافات طويلة تحت وطأة الخوف والجوع، حتى وصلوا إلى مخيم للنازحين في منطقة أكثر أمانًا.
عاش أحمد وعائلته في المخيم لأعوام طويلة، حيث كانت الحياة صعبة وقاسية. كانت المياه شحيحة، والطعام غير كافٍ، والأمراض تنتشر بين الأطفال، يقول أحمد. رغم ذلك، بأنه لم يفقد الأمل في العودة يومًا ما إلى قريته. كان يحلم بذلك اليوم الذي يستطيع فيه المشي في شوارع قريته مرة أخرى، ويرى منزله الذي بناه بيديه. بعد انتهاء النزاع قرر أحمد أن يعود إلى قريته. سمعت أن بعض الجيران بدؤوا بالعودة، وأن القرية بدأت تستعيد بعضًا من حياتها القديمة، يقول أحمد. رغم المخاوف من أن يكون منزله قد دمر أو أن القرية لم تعد كما كانت، قرر أن يخوض التجربة.
عند وصوله إلى القرية، كانت المفاجأة كبيرة. وجد منزله قد تعرض لأضرار جسيمة، لكنه ما زال قائمًا. كانت الجدران مليئة بالرصاص، والنوافذ محطمة، لكنه كان منزلي. بدأ مع أفراد عائلته بإعادة بناء ما تم تدميره، بمساعدة بعض المنظمات الإنسانية التي قدمت لهم مواد بناء ودعمًا لوجستيًا.
لم يكن أحمد الوحيد الذي عاد، فقد بدأت العديد من العائلات الأخرى بالعودة إلى القرية. رأيت وجوهًا مألوفة، وجيرانًا كنا نعيش معهم قبل النزوح، يقول أحمد. بدأت الحياة تعود تدريجيًّا إلى القرية، حيث أعاد السكان بناء منازلهم، وفتحت مدرسة صغيرة، وعادت بعض المحلات التجارية إلى العمل.
رغم التحديات التي لاتزال قائمة، مثل نقص الخدمات الأساسية والبنية التحتية، إلا أن أحمد متفائل بالمستقبل. “نحن نعيش الآن في سلام، وهذا أهم شيء. سنعمل على إعادة بناء حياتنا من جديد”. قصة أحمد ليست مجرد قصة عودة إلى الديار، بل هي قصة إصرار وأمل وتحدٍ للظروف القاسية. إنها تذكير بأن الإنسان قادر على تجاوز الصعاب، وأن العودة إلى الوطن، مهما كانت الظروف، تظل حلمًا يستحق القتال من أجله.