زرع رجال الصحراء العربية في البلاد الجديدة التي وصلوا إليها دينهم ولغتهم، ومع ذلك لم يدمروا ثقافات البلاد التي فتحوها كما كان مصير حضارات أخرى اكتسحتها جيوش الغزاة المنتصرة، بل تم الحفاظ على هذه الثقافات واستيعابها وإثراؤها والتأثر بها لتشكل حضارة جديدة أفادت البشرية قرونا.
كانت اللغة العربية واحدة مما حمله رجال الصحراء إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا على حد سواء، فقبل الفتح الإسلامي كان هذا اللسان السامي لغة ثرية من الشعر في أرض قاحلة تطورت فيها مفردات هائلة، جعلت لعرب الصحراء كلمات كثيرة ومخزونا هائلا من المفردات لا يصعب معه التعبير، ولم يواجه الشعراء أي مشكلة في استخدام المجاز والتعابير البلاغية.
لسان الصحراء
بين القرنين الثامن والثاني عشر من الميلاد، كانت اللغة العربية لغة أساسية للعلوم والمعارف، وأسهم المتعلمون الجدد للسان العربي في صياغة علوم اللغة ونشرها.
ومع انحسار العرب وتراجعهم عن تولي أمور الحكم والإدارة، بقيت اللغة العربية لغة أغلب الشمال الأفريقي والجزيرة العربية والشام والعراق، وظلت لغة واسعة الانتشار حتى خارج البلاد التي اعتبرتها لغة رسمية.
يوجد العرب والناطقون بالعربية حاليا في مدن ذات غالبية عربية في أجزاء مختلفة من قارتي آسيا وأفريقيا، وفي بلدان مجاورة للوطن العربي مثل تركيا وإيران وإريتريا وتشاد وغيرها.
جانب من تظاهرة للأحواز الذين يعيشون في مناطق خوزستان جنوب غرب إيران (الجزيرة) |
عرب تركيا وإيران
ويوجد عرب الأناضول في مناطق مختلفة من جنوب تركيا الحالية ووسطها وجنوب شرقها، ويعد وجودهم فيها قديم نسبيا، ويتوزَّع عرب تركيا في مناطق أنطاكية وأضنة وماردين وعنتاب ومرسين وأورفا وغيرها.
ويتحدث عرب الأناضول لهجات الجزيرة الفراتية العربية فيما بينهم وفي بيوتهم ومع أقاربهم، بينما يتكلمون التركية أيضا في التعليم والعمل والمعاملات الرسمية.
ويُلاحظ أن بعض عرب الأناضول لا يجيدون الكتابة والقراءة بالعربية، لكنهم يجيدون الحديث الشفوي بها. ويبلغ نسبة العرب في مدينة ماردين وأورفا وسيرت أكثر من 40%، وهم يتكلمون اللهجة الماردلية القريبة من لهجة الموصلالعراقية.
ومن شرق تركيا إلى غرب إيران المحاذية لها، حيث يعيش عرب مناطق خوزستان، الإقليم الغني بالنفط جنوب غربي إيران وعاصمته الأحواز.
ولم يبدأ الوجود العربي في بلاد فارس بالفتح الإسلامي عام 633 من الميلاد، فعلى مدى قرون كان الحكام الفرس على اتصال بجيرانهم العرب خاصة في مناطق شمال الجزيرة العربية وجنوبها، وقد استقرت قبائل عربية لاحقا في أجزاء مختلفة من الهضبة الإيرانية.
ويتحدث عرب إيران لهجات قريبة من لهجة الجزيرة الفراتية التي تشبه لهجة الموصل وعرب الأناضول أيضا.
عرب أفريقيا
وفي القارة السمراء، يوجد الكثير من العرب ممن لا يعيشون في بلاد الشمال الأفريقي العربي، ففي إريتريا يتحدث العرب بلهجة مميزة.
وتعتبر لهجة عرب إريتريا وإثيوبيا مزيجا بين لهجتي السودان واليمن. وإلى جانب كلمات من اللغات المحلية الأمهرية، توجد في البلدين إذاعات وقنوات تلفاز باللغة العربية التي تعد لغة رسمية أيضا في إثيوبيا، فضلا عن أقسام باللغة العربية في الجامعات.
وتعد قبائل الرشايدة أكبر تجمع يتحدث العربية في إريتريا، ويُقدر عددهم بمئة ألف نسمة من بين عدد السكان البالغ 4.79 ملايين، وفقا للإحصاء الحكومي في عام 2011.
وكان العرب -بحلول القرن العاشر الميلادي- قد أقاموا مستوطنات تجارية على الساحل الشرقي لأفريقيا بدعم من سلطنة مسقط، واختلطوا بسكان هذه المناطق، فتأسست مجتمعات عربية أفريقية وتطورت لغة وثقافة سواحلية نتيجة لذلك الاختلاط.
وفي وادي النيل، تأسست مجتمعات عربية أفريقية كذلك نتيجة تزاوج العرب مع أفارقة من مناطق السودان وبلاد النيل. وفي منتصف القرن التاسع عشر، اختلط التجار العرب الذين عملوا في تجارة العاج وسط أفريقيا مع سكان مناطق الصحراء الكبرى.
وتعد مدينة هرر في شرقي إثيوبيا أكبر مدينة إثيوبية تضم عربا بين سكانها رغم أنهم ليسوا أغلبية، إذ توجد فيها قبائل عربية كثيرة، كما توجد كذلك أقلية عربية في منطقة أوغادين ذات الغالبية المسلمة (المتنازع عليها بين إثيوبيا والصومال).
وتعد اللغة العربية أوسع اللغات انتشارا في تشاد، وهي لغة رسمية (إذ يوجد في دولة تشاد أكثر من 120 لهجة محلية محكية، لكن الدستور يعترف فقط باللغتين العربية والفرنسية كلغتين رسميتين)، يتحدث بها رئيس البلاد بطلاقة.
ويتلكم اللهجة التشادية أكثر من مليون شخص في تشاد، ويتحدث بها أيضا أقليات في الكاميرون ونيجيريا والنيجروإفريقيا الوسطى وجنوب السودان.
ويوجد قرابة 10-12% من السكان الناطقين بالعربية في السنغال، ونسبة أقل في مالي والنيجر ونيجيريا، وهي لا تشكل أغلبية في أي أقاليم هذه البلاد ومدنها.
المصدر : الجزيرة