في مسعىً للإفلات من العقاب للجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، طُرح مؤخراً مصطلح العدالة التصالحية وروّج له في العملية السياسية.
ضجت، في الأيام الأخيرة أروقة المجتمع المدني والأمم المتحدة ومنصات التواصل الاجتماعي بمصطلح “العدالة التصالحية” التي وردت على لسان المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا “غير بيدرسون”، خلال إحاطة بمجلس الأمن يوم الأربعاء الفائت، حول التطورات السياسية.
ذكر فيها مطالبة أعضاء من اللجنة الدستورية في وفد المجتمع المدني بالعدالة التصالحية في الاجتماعات الأخيرة.
وقد أثار ذلك المفهوم الوارد في الإحاطة وابلاً من الانتقادات لما يحمله من مساواة بين الجناة والضحايا في الملف السوري.
تعد العدالة التصالحية إجراءً بديلاً في نظام العدالة الجنائية لايقوم على العقاب، إنما على إقامة العدل على الجناة والضحايا على حد سواء باعتبار الطرفين مجرمين يتوجب عليهما الصلح، بدلاً من الوقوف إلى جانب الضحية ضد الجاني.
وحول الواقعة، أعلن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن مفهوم العدالة التصالحية الذي ذكره المبعوث الأممي بيدرسون إضاعة لحقوق السوريين، وشرعنة لجرائم النظام السوري وخروج صريح عن قرار مجلس الأمن وبيان جنيف.
يفضي القبول بالعدالة التصالحية بديلاً عن العدالة الانتقالية إلى تنازل جديد من المعارضة، كون الأخيرة تعد جوهريةً في مرحلة الحكم الانتقالي الذي يتضمن محاسبة الجناة في الجرائم وتعويض الضرر والضحايا.
وتأتي هذه الاجتماعات في العملية السياسية التي تجري حالياً بين وفد المعارضة ونظيره من قبل النظام، في إطار عمل اللجنة الدستورية السورية.
وكان قد ظهر ذاك النوع من العدالة في سبعينات القرن الماضي، ويُعمل بها في زمن السلم ووجود قانون وطني، مرتكزةً على التعويض والتصالح بخصوص أي جريمة واقعة، من خلال عملية مصالحة بين الجناة وكل المتضررين، دون أن تقتضي كشف الحقيقة أو المساءلة القانونية.
نتيجة تعرضهم لانتقاد واسع، سارع أعضاء المعارضة لنفي مطالبتهم بالعدالة التصالحية مطالبين الأمم المتحدة بضرورة التوضيح.
ليصدر بيدرسون بياناً توضيحياً يوم الجمعة الفائتة، برر فيه الأمر بأن “خطأ فني غير مقصود” وقع حول طرح أعضاء المجتمع المدني مصطلح “العدالة التصالحية” خلال الجلسة الأخيرة للجنة الدستورية.
لايحقق مفهوم التصالحية العدالة في القضية السورية لنوعية الجرائم المرتكبة التي ترتقي لجرائم حرب، والقائمة على التصفية والاعتقال التعسفي والتهجير والتعذيب والنهب والاستيلاء على الممتلكات بحق أفرادٍ لخلفيتهم السياسية فقط.
وتبقى محاكمة رموز النظام السوري، الذي أسرف في القتل وانتهاك حقوق شعبه، مطلباً ثابتاً لا تنازل عنه للسوريين بكافة أطيافهم.
ويظل السؤال هل كان استخدام المصطلح حقاً خطأً غير مقصود أم تنازلاً جديداً سيُفرض على الشعب السوري.
صباح نجم
المركز الصحفي السوري