مآسي تزداد يوماً بعد يوم للاجئين السورين في خيام التشرد التي كان لها وجه آخر من ظلمة تلك الأيام التي يعيشونها يطل عليهم برد الشتاء القارص مع نسمات يتجمد لها الفكر قبل الجسد، فالشتاء ضيف يشهد له التشرد والقلة والعوز بثقل همه على الأهالي الذين يحتارون في كيفية التأقلم مع أيامه الطويلة، أو حتى عيشها على جبر وخماصة.
فصل يحسب له السوريون ألف حساب في ظل معاناة إنسانية تحمل الحزن والألم لمن هرب من موت لآخر، من حرب دامية جرت معاركها على الأراضي السورية، حصار وقصف أو مرض يزداد لنقص في المعدات وقلة في وسائل المساعدة مع فقر في حال أغلبية الأهالي يثقل تخطي أحد أثقل فصول السنة على ذوي اليسر والنعمة فكيف بالأهل في سوريا الذين هم في فاقة وحاجة، في تشرد وحرب وتدمير المأوى.
ولدى جولتنا لأحد المخيمات في الشمال السوري، شاهدنا أم قاسم (42 عاماً) من ريف إدلب أحد ساكني المخيمات بعد أن فقدت منزلها الذي ورثته عن زوجها الشهيد في غارة استهدفت حافلته التي كان يقودها في طريق عودته من المدينة تلك المدينة التي خرجت عن الطاعة، تتحدث معنا وهي ترتدي كل ما استطاع لجسدها النحيل أن يحمله من ملابس ثقيلة قائلة “أقف كل صباح أمام خيمتي الشبه مهترئة وقفة تطول كطول أيام الحزن التي أعاني.. وأنا بحيرة بعد أن تسربت مياه الأمطار وبللت ملابس صغاري وبات علي بذل المزيد من الجهد لمساعدتهم.. آه يوميات أشبه بالموت البطيء.. كم أتمنى أن أسكن تحت جدران منزلي المنهار علّها أرحم بكثير..”.
ويبقى السؤال المحير لأمثال أم قاسم، إذا كانت مخيمات اللاجئين ضرورة تقتضيها السياسة والترتيبات والهروب من نيران القصف، فلماذا لا يجد السوريون مخيمات منظمة وقادرة على مواجهة البرد والصقيع والثلج المميت؟!
ولعل الصرخة الأعلى في الوجع “متنا من البرد” وإن نجا شاب من قولها لن ينجو طفل أو عجوز فالوقوع في مصيدة التشرد والموت برداً، شر يصعب تجنبه في ظل ضعف الإمكانات وقلة المساعدات.
أما جارتها في سلسلة المخيم”أم سامر” فقد حدثتنا عن قلة في الإمكانات لتجنب خطر البرد وظلمة ليل الشتاء الطويل البارد قائلةً ” في محاولة مني لمساعدة صغاري ومكافحة البرد وأقسى شهور السنة أملك مدفئة صغيرة بالكاد نرى نارها وأعتمد عليها لنشر الدفء في أركان خيمة تضم 7 من أفراد عائلتي.. وإن نفد ما أدخره من وقود الطعام سأضطر لحرق ملابس قديمة وقد نضطر للبحث عن أحذية أو أكياس نايلن أو حتى القش أصبحنا نجمعه من هنا وهناك.. لله وحده أشكو ضعفي وأطلب منه العون”.
وبكلمات مرتجفة وأنفاس باردة ودعنا “أم قاسم” وهي تتحسر على ليالي الشتاء فيما مضى من ذكريات التفاف أبنائها وزوجها الراحل حول مدفأة المازوت التي كانت لا تكاد تنطفئ وسط ضحكات تعلو ووجوه يلوح فيها حمرة الشعور بالدفء ذلك الزمن الجميل الي كنا نعيش طمأنينة وراحة بال قبل تكالب أمم الأرض كافة على تشريد السوريين وقتلهم.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد