خلفت الحرب في سوريا ظواهر سلبية عدة وغيرت كثيرا في عادات شعبها الاجتماعية بما يتماشى مع الواقع الذي فرض عليهم دون سابق إنذار، لكن إن خصينا بالذكر فإن فئة المراهقين والمراهقات أكثر تضررا من غيرهم فهم يشكلون جيلا ناشئا بأكمله يوشك على الضياع.
وقد تكون الخيارات المتاحة لتلك الفئة متعددة إلا أنها في مضمونها متشابهة النتائج، ومع انتشار الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها نجد أنها المؤثر الأكبر على عقولهم أو ربما النافذة الوحيدة التي يجدون فيها أنفسهم المشتتة ليفرغوا جزءا من طاقاتهم حتى وصلت في بعض الحالات لدرجة الإدمان وخلفت اضطرابات نفسية كالانطواء والعدوانية.
تحدثنا عبير من مدينة ادلب عن حالة ابنتها ذات 17 عاما:” أجبر زوجي ابنتي ملازمة المنزل وعدم الذهاب إلى المدرسة منذ تحرير المدينة خوفا عليها من الطيران ومن عمليات الخطف التي كثرت في الآونة الأخيرة، فتعلقت لدرجة الولع بهاتفها النقال ولا يكاد يسقط من يدها، وما إن تسمع “القبضة” تحذر من دخول الطيران في أجوائنا حتى تبدأ بالكتابة على المراصد المشتركة بهم على “الوتس آب” وتستمر بذلك لحد الشغف وتنام وهاتفها بيدها”.
وتضيف عبير:” حاولت كثيرا أن أحرمها منه إلا أنها تصاب بحالة هستيرية فأخاف عليها وأعيده لها، لم أترك وسيلة إلا واتبعتها معها لأخرجها من هذه القوقعة التي تفقدها حيويتها يوما بعد يوم وتحصرها ضمن عالم افتراضي لا مستقبل فيه، لا أعلم ماذا أفعل هل أزوجها لمن يتقدم إليها كمثيلاتها من صديقاتها؟، أم أعيدها للمدرسة؟”.
ومن الخيارات المتاحة أيضا بالنسبة لفئة الشباب الالتحاق في صفوف الثوار والمشاركة في معاركهم ضد قوات النظام بعد إخضاعهم لدورات تدريبية حول استخدام السلاح، وهم فئة كبيرة من حيث العدد في المناطق المحررة، وقد يظن البعض أنها فكرة صائبة للدفاع عن الأرض والعرض والجهاد في سبيل مكافحة إجرام النظام، لكن في الحقيقة البلد بحاجة لتلك الفئة لإعادة إعماره والنهوض به بعد أن انخفضت نسبة الشباب بتعرض بعضهم للقتل أو للاعتقال أو للهرب خارج البلاد.
أبو عادل من مدينة أريحا في ريف ادلب يقول:” أقنع أصدقاء ابني ذو “15” عاما أن يلتحق بركب الثورة وينفر للجهاد، ورغم محبتي بالثوار وتضحياتهم إلا أنه ابني الوحيد ومن الصعب علي وعلى أمه أن نقبل بخياره، فأقنعناه بالسفر لتركيا بعد أن تواصلت مع أصدقائي وأمنوا له سكنا وعملا في أحد المعامل”.
ويضيف أبو عادل:” أشعر أنني قسوت عليه بإرغامه على السفر إلا أنني لا أملك خيارا آخر وهو الآن يعمل بدوام متعب لايناسب سنه ل17 ساعة متواصلة، وحاله كحال كثير غيره وما باليد حيلة”.
وكأن “التعليم” أو “الدراسة” لم تعد ضمن الخيارات التي من المفترض أن تكون الشغل الشاغل لهم في هذا السن، وعلى مايبدو فإنها أصبحت من الأمور الثانوية التي تتخذها فئة قليلة منهم والسبب في الدرجة الأولى حياة الحرب المفروضة عليهم، ويجب البحث عن حلول لإنقاذهم من الضياع والتشتت والوقوع في وحل الجهل والتخلف.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد