استغرب البعض تصريحات المستشارة الألمانية انغيلا ميركل حول احتمال إصابة 70٪ من سكان ألمانيا بفيروس كوفيد 19 (الشهير بكورونا) إذا لم يتم إيجاد علاج أو مصل مضاد، واعتبر مسؤولون كبار، مثل اندري بابيس رئيس حكومة التشيك، جارة ألمانيا، أنها تقوم «بنشر الذعر» بتوصيفها لهذا «السيناريو المظلم».
غير أن نظرة إلى إيطاليا، الجارة غير البعيدة عن ألمانيا، التي بدأ فيها الوباء قبل فترة غير طويلة قبل أن يرتفع إلى مستويات مخيفة أدّت إلى حجر البلاد بأكملها وقطعها عن الخارج، مع تسجيل أكثر من عشرة آلاف إصابة و 827 حالة وفاة، ثم انعكاس آثار هذا الوباء على أحوال العالم الطبية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الرياضية فطال إغلاق المدارس في 15 بلدا أكثر من 363 مليون تلميذ، واقتربت بورصات العالم من أدنى مستوياتها منذ أزمة 2008 العالمية، وتضررت قطاعات السياحة والنقل ودخل الاقتصاد العالمي مرحلة انكماش، ولا يعرف أحد الدرك الذي سيصل إليه.
أظهر المرض انكشافا واضحا على مستويات عديدة في الدول الكبرى، بدءاً من الصين التي كانت مصدر تركّز الوباء وانتشاره، وفي الوقت الذي خصصت فيه إمكانياتها الهائلة لوقف انتشار المرض وعلاجه، فقد كشف نظامها عن أعطاب كبيرة بدءا من محاولات سلطاتها التعمية على الحدث ومعاقبة المنبهين عنه، ومرورا بالولايات المتحدة الأمريكية، ذات النظام الديمقراطي، والتي تعرّض قطاعها الطبيّ لانتكاسة مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنصبه الذي اشتغل بجهد على تفكيك أركان المنظومة الصحّية التي قام سلفه باراك أوباما بتدشينها، كما كان هذا مناسبة لكشف أعطاب الاقتصاد الأمريكي الذي ينوء تحت دين عامّ سيرتفع مع عام 2030 إلى ما نسبته 98٪ من قيمة الناتج الإجمالي للبلاد، وهو ما يعني زيادة مقدارها تريليون دولار في السنة، وسياسة اقتصادية تقوم على خفض الضرائب عن الأغنياء وزيادة الانفاق العسكري وخفض الصرف على التعليم والبنى التحتية.
ضربت هذه الأزمة العالمية اقتصادات المنطقة العربية وجوارها، وكان الأكثر تعرّضا هو قطاعاتها السياحيّة وخصوصا في الأردن وتونس ولبنان والمغرب ومصر وتركيا بضربات كبيرة، الأمر الذي يدفع شركات طيران كبرى ومكاتب سياحية وفنادق ونقل سياحي نحو شفير إعلان الإفلاس وهو أمر سيتبعه تسريح للموظفين والعمال، كما تعرّضت السياحات الدينيّة إلى ضربة كبيرة مع وقف العمرة إلى السعودية، وزيارة المراقد الشيعية المقدسة في العراق، وكذلك السياحة إلى القدس وكنيسة المهد ومراكز الزيارة المسيحية.
في الوقت الذي نشهد محاولات (ناجحة أو فاشلة) في كل العالم لاحتواء مرض كوفيدا 19 واستيعاب آثاره الاقتصادية المدمرة عبر إعلان ميزانيات صرف كبيرة وخفض للفائدة والضرائب، استمرّت آلة القتل والتدمير في العديد من البلدان العربية المنكوبة في سوريا واليمن وليبيا، فلا شيء أهمّ في روع السلطات السوريّة، أو الجنرال المتمرد خليفة حفتر، أو أطراف الحرب الأهليّة البائسة في اليمن، من قتل البشر وحرق الأخضر واليابس، وهو ما جعل العالم يتساءل عن أثر وباء كورونا على هذه البلدان، بمواجهة إنكار سلطات دمشق المشغولة باجتياح إدلب وريفها، على سبيل المثال، عن وجود هذا الوباء، وهو أمر وجدنا نسخة منه في مصر التي تأخرت سلطاتها كثيرا في إعلان وجود المرض في الوقت الذي استمرّ إعلان دول أخرى عن استقبال مصابين منها، وبالتالي وقف الرحلات إليها.
يفترض وجود مرض بهذه الخطورة الكبرى على المعمورة وسكانها، أن تسارع المنظومات والدول الكبرى إلى تجميع الطاقات لتقديم حلول لوقف الوباء، لكنّ ذلك، حين يحصل، لن يوقف الأسئلة الكبيرة حول أعطاب الأنظمة السياسية التي تحاول أن تقدم حلولا سريعة لجمهورها الانتخابي على حساب مستقبل الأجيال المقبلة فتستدين أكثر بكثير مما يمكن أن تدفع، وترفع الغرائز العنصرية ضد الأعراق والأديان والشعوب المختلفة، وكذلك أعطاب الأنظمة الطاغية التي تفترض أنها تستطيع أن تخضع مواطنيها بالقوة والعسف والتجبر.
نقلاً عن القدس العربي