السيسي بطلاً روائياً
سعاد حسني، طه حسين، أَنور السادات، إسماعيل ياسين، جمال عبد الناصر، الملكة نازلي، عبد الحليم حافظ، رفعت الجمال، الملك فاروق، أم كلثوم، تحية كاريوكا، سيد درويش، توفيق الحكيم، عبد الحكيم عامر، جمعة الشوان. … انجذب صنّاع الدراما والسينما المصريتين إلى هؤلاء، فأنجزوا عنهم أفلاماً ومسلسلات، ناجحة وفاشلة. ولافتٌ أن اسماً كبيراً ليس بينهم، هو نجيب محفوظ الذي يسّرت رواياته (كتب سيناريوهات أيضاً) عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية، لأن أهل هذه الصناعة لم يجدوا في حياته مثيراً ودرامياً، تنعجن منه مادةٌ لمسلسل أو فيلم، فليس فيها محطات غير عادية، بعيداً عن شهرته كاتباً، ونيله جائزة نوبل، وتعرضه لمحاولة قتله بسكين. كان موظفاً، انقطع للكتابة، تزوج من دون قصة حب، (كان نسونجياً قبل زواجه)، وكان يلتقي أصدقاءه في المقاهي… هذا موجز سنوات نجيب محفوظ التي اقتربت من التسعين.
يبدو الرئيس المصري الراهن، عبد الفتاح سعيد السيسي، محفوظيَّ الطراز، فلا تتيسر في حياته، قبل وثبته الظافرة إلى قصر الاتحادية، أي واقعةٍ قد تسوّغ بطولته في رواية، أو بطولةً محوريةً في فيلم أو مسلسل تلفزيوني. نشأته عادية، لم نطالع أَن مزايا (أو سجايا؟) خاصة اتصف بها منذ طفولته في الابتدائية حتى شبابه الأول لمّا تخرج ضابطاً في كلية عسكرية. وطوال سنوات وظيفته في الجيش، كان منضبطاً، كما عشرات آلاف الضباط من أترابه. لم تُيسر الأقدار حرباً يشارك فيها، فيستثمر شيئاً منها في سجله، وتخلو سيرته المهنية من أي فرادةٍ عسكريةٍ لافتة، على غير تمكّن العقيد طيار حسني مبارك من إنقاذ طائرةٍ حربية حلّق بها في أثناء هزيمة 1967، وهبط بها بأمان (بحسب مذكّرات عبد اللطيف البغدادي)، وشاءت الأقدار أن يساهم في الضربة الجوية الأولىإياها في حرب 1973، ثم تغدق عليه هذه الواقعة، لاحقاً، الأسطورة الدعائية إياها.
صدّعنا محبو عبد الفتاح السيسي بأحاديث مستطردة عن بحثٍ يتيمٍ أعدّه في أثناء دورة زمالة عسكرية له في أَميركا، والواضح أنه كان شديد الالتزام بعسكريته، وأن ترقيات رتبه كانت سريعة، وذلك، بحسب غير محبيه، لصلةٍ استخباريةٍ جمعته مع رئيس البلاد، حسني مبارك. ومن طباعه الأولى أنه كتوم “وفي حاله”، على ما يروي جيران عائلته في حي الجمالية في القاهرة (حي نجيب محفوظ أَيضاً!). لم ينخرط في أي قصة حب، وتزوج من ابنة خالته، وأنجب أولاداً. هذه كل قصة الضابط الذي ما أن رفعه الرئيس محمد مرسي من لواء إلى فريق أول، وولاه وزارة الدفاع، حتى أسلسلت له النجومية قيادها، بعد أن كان الأصغر بين زملائه في المجلس العسكري، والأبعد عن الأضواء لمسؤوليته عن الاستخبارات الحربية.
كل هذه التفاصيل شديدة العادية، ولا يعتدّ بها، إذا ما أريد إنجاز عمل حكائي عن السيسي، وربما لا يخرمها سوى ما قيل عن مشاركته في فحوص كشف العذرية لشاباتٍ مصرياتٍ كن محتجزاتٍ لدى الجيش، لحمايتهن من الاغتصاب، كما نُسب إليه، لكنه ما أن أطلق التحذير إياه إلى مرسي، قبل أيام من مسيرات 30 يونيو، حتى بدا أَنّ دوياً كبيراً سيحظى به تالياً. ولمّا أطلّ ببذلته العسكرية، معلناً منح رئاسة البلاد لقاضٍ في المحكمة الدستورية، تبين أن حزمةً من مستجداتٍ مثيرةٍ ستتراكم، من صنيع هذا الضابط الصموت الذي “لم يدخّن في حياته سيجارة، والمواظب على الصلاة في مواقيتها”، كان منهاأَنه صار مشيراً، ثم جيئ برئاسة مصر إليه بالكيفية الانتخابية المعلومة التفاصيل.
بعد بلوغه الستين، إذن، وبعد أربعة عقود في حياة رتيبةٍ في أعراف كتّاب الرواية وسيناريوهات الأفلام والمسلسلات، يصبح السيسي بطلاَ شديد الإثارة والجاذبية لهؤلاء. عشية رئاسته، في حملةٍ انتخابية، غير تقليديةٍ والحق يقال، لم يجترح كشفاً خلاقاً لتنمية مصر ورفعة شأنها وتحسين عيش ناسها، ثم ما أن دلف إلى قصر الاتحادية، حتى رفع الأسعار، وبدأ يجبي من رعاياه تبرعاتٍ تزكّي الانتماء إلى الوطن. ليس ضرب الودع مستحسناً، للتنجيم في شأن البطل الروائي المستجد، عبد الفتاح السيسي. ولكن، في البال أن ذروة البطولة الدرامية الروائية لدى جمال عبد الناصر موته المفاجئ، (مسموماً ربما؟)، ولدى أنور السادات قتله، ولدى حسني مبارك إطاحته ومحاكمته، ولدى محمد مرسي بدلته البيضاء في قفص السجن